تكتسب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المزمع إجراؤها في 19 أيار المقبل، حساسية استثنائية على ضوء التحوّلات الغربية مع وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، وانعكاسات ذلك على تطورات الوضع في المنطقة.
قد يكون للانتخابات الرئاسية مفاعيل استثنائية ربطاً بالمرحلة المقبلة سواء المتعلقة بالمواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية في ظلّ الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترامب أو المتعلقة بمكافحة الفساد ورفع مستوى الاقتصاد والمرحلة الانتقالية.
أيّد مجلس صيانة الدستور أول أمس، تأهيل ستة مرشحين لخوض الدورة الـ 12 للانتخابات الرئاسية المقبلة. والمرشحون بحسب ما أعلنت لجنة الانتخابات في إيران هم الإصلاحيان الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، ونائبه اسحاق جهانغيري، والمحافظون آية الله ابراهيم رئيسي، عضو المجلس المركزي لحزب المؤتلفة الإسلامي مصطفى ميرسليم، وزير الصناعة الأسبق مصطفى هاشمي طبا، وعمدة طهران محمد باقرقليباف.
بدأت الدعاية الانتخابية رسمياً منذ تاريخ الإعلان عن أسماء المرشحين الذين تمّ تأكيد أهليتهم على أن يتمّ وقفها في تاريخ 18 أيار قبل يوم من الاقتراع.
وبالتزامن مع الانتخابات الرئاسية ستقام انتخابات المجالس البلدية والقروية في إيران في دورتها الخامسة، حيث تقدّم ما يقارب 28 ألف شخص ستُدرس طلباتهم للترشح لدى الجهات المعنية في وزارة الداخلية.
المتعارف عليه في طهران أنّ الرئيس يكمل الولايتين، وبالتالي، اذا فاز روحاني مجدّداً فسيكون الرئيس السابع للجمهورية الإسلامية بعد الثورة الإيرانية.
في موازاة ذلك، تتحكّم تأثيرات داخلية وخارجية بسير الانتخابات. مصادر مطلعة على الملف الإيراني، تشير لـ "البناء" إلى مطالبات في الداخل، خاصة من الإصلاحيين، بضرورة إجراء إصلاحات اقتصادية وضبط الهدر.
تتحدّث المصادر نفسها عن الخلاف الجوهري بين الإصلاحيين والمحافظين حول مستقبل العلاقة مع الغرب. فطهران أظهرت، من وجهة نظر المحافظين، حسن نية تجاه الغرب من خلال توقيع الاتفاق النووي. ولم تقابل بالمثل. لقد تخلّت عن بعض الحقوق المشروعة لها، في حين لجأت الإدارة الأميركية إلى الالتفاف على الاتفاق بفرض بعض العقوبات. إذ أعلنت وزارة الخزانة الأميركية عن عقوبات على عدد من الشركات، ومؤسسات شريكة أخرى، ومسؤولين في كلّ من الإمارات العربية المتحدة، ولبنان، والصين، على علاقة بتزويد إيران بالتكنولوجيا المستخدمة في صناعة الصواريخ الباليستية، وهدّد الرئيس الأميركي من جهته، بإعادة النظر بالاتفاق.
وإذا كانت هذه هي المآخذ الأساسية للمحافظين على نهج الرئيس روحاني ومن يدور في فلكه، فإنّ الإصلاحيين يرون في الاتفاق النووي إنجازاً مهماً فتح آفاقاً اقتصادية وسياسية لإيران مع الغرب ومع أوروبا خصوصا، وينبغي استكماله لتعزيز العلاقات الأوروبية، فالاتفاق شرع الاستثمارات الأجنبية في إيران بعد الافتقار إلى تلك الاستثمارات لسنوات مضت بسبب العقوبات الغربية.
وفيما استُبْعِد الرئيس السابق أحمدي نجاد من خوض غمار الانتخابات الرئاسية، فإنّ المنافسة الانتخابية ستكون بين الشيخ روحاني ورئيسي. فالأخير يشغل منصب أمين الروضة الرضوية، المنظمة المسؤولة عن أكثر أضرحة إيران قدسية مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، في مدينة مشهد، وله دور بعيد عن الأضواء في السياسة الإيرانية عبر مجلس الخبراء، وتربطه علاقات جيدة بالحرس الثوري الإيراني.
على خط موازٍ، يرى الإصلاحيون أنّ الرئيس روحاني لعب دوراً بارزاً في انفتاح إيران على العالم من دون التنازل عن الثوابت والمبادئ. ولا تزال الفرصة سانحة أمامه لتشكيل عنصر الأمل وتحقيق المزيد من الإنجازات في الولاية الثانية. المؤسسات الإيرانية، كما يقول الإصلاحيون، لا زالت بحاجة إلى المزيد من الجهد لمكافحة الفساد المالي والإداري وتثبيت دور الدولة في تنظيم مصالح الشعب من خلال الانصراف إلى إنهاء حالة الركود الاقتصادي والتضخم.
بمعزل عن ذلك، هناك وجهة نظر تقول إنّ روحاني ليس بعيداً عن المرشد، فسياسته بقدر ما هي إصلاحية بقدر ما ترضي خامنئي والمحافظين. العلاقة بينهما أكثر من وطيدة. تظهر ذلك في أكثر من محطة، لعلّ أبرزها المفاوضات التي سبقت توقيع الاتفاق النووي، فروحاني كان يعمل ضمن الخطوط الحمراء التي رسمها المرشد.
يقول كثيرون إنّ ترامب سيكون حاضراً في نتائج صناديق الاقتراع، وهذا يرجّح كفة فوز رئيسي. فالسياسة الخارجية الأميركية المعادية، استفزت الشعور القومي وشدّت العصب الإيراني وستوفر للمحافظين فرصة الفوز بالانتخابات الرئاسية.
بيد أنّ آخرين يبدون ثقة بفوز روحاني لولاية ثانية. لن يقترع الإصلاحيون، بحسب المطلعين على الملف الإيراني، لغير الرئيس الحالي - إن كان لدى بعضهم ملاحظات حول الوضع الاقتصادي الراهن - فمواقف الرئيس الإيراني من تهديدات ترامب وتوعّده بالندم لم تكن أقلّ وطأة من مواقف السيد خامنئي.