لم تخالف نتائج الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية الفرنسيّة التوقعات التي كانت تتحدث عنها غالبيّة إستطلاعات الرأي، حيث كانت تشير إلى أن التنافس في الجولة الثانية سيكون بين المرشحين الوسطي إيمانويل ماكرون واليمين المتطرف مارين لوبان، لكن هذا الأمر يدفع إلى طرح علامات الإستفهام حول مستقبل الجمهورية الفرنسيّة الخامسة والإتحاد الأوروبي، في ظلّ دعوة لوبان إلى الخروج من الإتحاد ودعوة ماكرون إلى التمسّك به.
في هذا السياق، يؤكد رئيس المرصد اللبناني للعلاقات الدولية والاستراتيجية وليد عربيد، في حديث لـ"النشرة"، أن هذه النتائج كانت متوقعة بحسب إستطلاعات الرأي التي طرحت فوز ماكرون ولوبان، بالرغم من أنهما من خارج نادي الأحزاب التقليدية في فرنسا (اليمين والإشتراكي)، ويرى أن هذا الأمر يدلّ على أن الحياة السياسية الفرنسية تتجّه دائماً نحو التغيير، ويضيف: "التغيير المقصود هو نحو الجمهورية السادسة ربما".
من جانبه، يجزم الخبير في الشؤون الأوروبية تمام نور الدين، في حديث لـ"النشرة"، أن الرئيس المقبل لفرنسا سيكون ماكرون، لأن لوبان لا تملك خزان أصوات إحتياطي في الجولة الثانية من الإنتخابات، لا سيما أن غالبيّة المرشحين في الجولة الأولى أعلنوا عن دعمهم ماكرون بعد خروجهم من اللعبة الإنتخابية خاسرين.
من جهة ثانية، يشير عربيد، إلى أن هذه الإنتخابات كانت الأكثر ضبابية في تاريخ فرنسا، ويرى أن باقي المرشحين سيتكتّلون في الجولة الثانية من الإنتخابات ضد لوبان مرشحة اليمين المتطرف، لوجود خطر حقيقي على دور فرنسا في حال فوزها، مما يرفع من أسهم ماكرون الإنتخابيّة في هذه الجولة، لكنه يعتبر أن السؤال الأهم المطروح يبقى حول مستقبل المشروع الأوروبي.
من وجهة نظر عربيد، أن من أبرز نتائج الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية الفرنسية هو التغيير الحاصل في الخارطة السياسيّة عبر بروز تيار سياسي وسطي يخترق الأحزاب التقليدية وهذا التيار يمثّله ماكرون، ويشير إلى أن هذا الأمر سيكون له تداعيات على مستقبل فرنسا، ويرى أن الجولة الثالثة ستكون حول قدرة الرئيس المقبل على تأمين أغلبية نيابية داعمة له في الإنتخابات البرلمانية.
بالنسبة إلى نور الدين، فإنّ ماكرون هو إمتداد للرئيس الحالي فرنسوا هولاند، وهو حاصل على دعم كل "اللوبيات" السياسية والإقتصادية والإجتماعية والإعلامية، ويضيف: "فجأة بات لدى هذا المرشح حزبا ومؤيديين لإيصاله إلى الرئاسة"، ويرى استحالة بنجاح لوبان في الجولة الثانية، إلا إذا حصلت أحداث إرهابيّة سقط فيها الكثير من الدماء، مما يؤدي إلى ردّة فعل كبيرة من الناخب الفرنسي.
من وجهة نظر نور الدين، كان هناك تخطيط من قبل "اللوبيات" لتأمين وصول ماكرون إلى الرئاسة، ويشير إلى أن الفضيحة التي أثّرت على حظوظ مرشح الحزب "الجمهوري" فرنسوا فيّون لم تظهر إلا بعد إقفال باب الترشحيات في الحزب وليس قبل ذلك، ويوضح أن هذه هي المرّة الأولى التي لا يكون فيها هناك مرشّح لهذا الحزب في الجولة الثانية من الإنتخابات.
على صعيد السياسة الفرنسية الخارجية، يرى نور الدين أنها لن تشهد أي تغيير في عهد ماكرون، ويشدّد على أن باريس ستبقى في موقعها الحالي، خصوصاً بالنسبة إلى أحداث الشرق الأوسط، وعلى تحالفاتها القائمة كما كانت في عهد الرئيس الحالي فرنسوا هولاند.
في المحصلة، يمكن القول أن إيمانويل ماكرون حسم نتيجة الجولة الثانية من الإنتخابات الرئاسية اليوم، وهو سيكون حكماً الرئيس المقبل لفرنسا، بعد حصوله على دعم غالبيّة المنافسين السابقين له، إلا إذا حصلت تطورات غير متوقعة بدّلت من مزاج الناخبين في الفترة الفاصلة عن موعد الإقتراع الحاسم.