تريزا مايا دعت الى إنتخابات مبكرة في بريطانيا. في العالم كله يعودون الى الشعب في الأزمات والمستجدات والقضايا الطارئة الكبرى والمصيرية، ناهيك بحتمية إجراء الإنتخابات النيابية في موعدها الدستوري - القانوني.
عندنا كانت هذه هي القاعدة حتى وقعت «القوة القاهرة» التي كانت الحرب ما اضطر النواب الى التمديد لأنفسهم... علماً أنّ بلداناً في منطقتنا واجهت وتواجه حروباً وأحداثاً بارزة، ومع ذلك فهي أجرت إنتخابات.
إلا أنه منذ مطلع الستينات، وحتى اليوم، دخل هذا البلد في متاهة (بل في متاهات) إنتخابية. البداية تمثلت في تعيين عشرات النواب في المقاعد الشاغرة بالوفاة (في المجلس الذي كان لا يزال قائماً منذ العام 1972). ولكن بعد هذا التمديد بفترة قصيرة قرّر الوصي السوري حلّ مجلس النواب واجراء انتخابات جديدة...
ثم كان تقرير نتائج الإنتخابات سلفاً بوضع مشاريع أصبحت قوانين لمجلس النواب الغاية منها مزدوجة ولكن متكاملة: ضرب الطيف المسيحي وتذويب أصوات المسيحيين، من خلال تحقيق عملية «فرز وضمّ» مخزية... فهنا نجمع بشري مع الضنية، وهناك نقيم دائرة من المحافظة، وفي المتن الشمالي من القضاء، وفي سواه من ثلاثة أقضية الى ما هنالك في ما يبدو حالاً غير مسبوقة لا يمكن وصفها بأفضل من القول «إنه التزوير المكشوف». أضف الى ما تقدّم ما تولاه الضباط السوريون من استدعاء المخاتير ورؤساء البلديات والوجهاء و»المفاتيح« الإنتخابية لإبلاغهم القرار النهائي والحاسم: بدنا فلاناً هنا، وعلاّناً هناك... وهذه اللائحة لازم تسقط، وكذلك هذا المرشح الخ (...) على ما هو معروف بالأسماء والوقائع والتواريخ والأرقام، وبلغ الأمر ذروته بضرورة إسقاط نواب فازوا بأكثرية الأصوات لأنهم غير مرضي عنهم... وما حدث في عكار وفي البقاع الغربي مع نائبين مسيحيين بات أمراً معروفاً... وكذلك ما حدث في إنتخابات فرعية في جبل لبنان.
وعندما أُخرج الجيش السوري من لبنان إنكشف القوم، عندنا، على حقيقتهم... فإذا هم في عجز مطبّق عن إدارة وإجراء عملية إنتخابية واحدة بشكل طبيعي، إن على المستوى الرئاسي أو على المستوى النيابي...
وهذا العجز لا يزال مستمراً.
لسنا وحدنا من يراه، إنما اللبنانيون جميعاً يرونه، ولعلّ غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي كان الأجرأ في الإشارة اليه غير مرة، وآخرها قوله أمس للعاجزين (الذين حولوا لبنان الى دار للعجزة القانونيين الدستوريين والمبتكرين): ليس عيباً أن تعترفوا بعجزكم وأن تلجأوا الى إجراء الإنتخابات على أساس القانون النافذ (أي قانون الستين).
وإذ نرى أن غبطته وضع الإصبع على الجرح (وهي إشارة الى المناسبة التي إحتفل بها المسيحيون، أمس، في «الأحد الجديد» واصبع الرسول توما وجرح السيد المسيح) نؤكد أن بعض مشاريع قانون الإنتخابات الذي طالعناه أخيراً الهدف منه التعجيز وليس الحلّ!