واظب مسؤولو الحزب التقدمي الاشتراكي ومن تحت عباءة زعيم المختارة النائب وليد جنبلاط، منذ بدء دوامة البحث على قانون انتخاب جديد في البلاد، التمسك بالتذكير بقانون الستين كحل قابل للحياة عبر تصريحاتهم وهو قانون الانتخاب المعتمد في آخر انتخابات نيابية لبنانية عام 2009 كحلّ «أفضل» من تعطيل إجراء انتخابات او التمديد. وكل ما تقدم من مناظرات حتى الآن وكانت للاشتراكيين شروح وانتقادات واسعة الإطار لمعظم ما تقدم وبعضها كان حاداً بوجه طروحات التيار الوطني الحر من صيغ انتخابية وانتقادات ايضاً للقانون النسبي القائم على النسبية الشاملة كخيار لحزب الله.
تفاخر الاشتراكيون بصراحة مطلقة بأنهم تمايزوا عن باقي الأفرقاء بتعبيرهم عن «يقين» بأن كل الاطراف «تجامل» و»تماطل» ظاهراً وترغب بالإبقاء على قانون الستين «باطناً» والذي نجاهر نحن فيه كخيار موجود من دون حرج، بحال إذا لم يتم الاتفاق على قانون يرضي الجميع ويحفظ حقوق الجميع. وعلى هذا الأساس غابت أي محاولة من الحزب التقدمي الاشتراكي والنائب وليد جنبلاط بالمساهمة في أي صيغة جديدة حتى اليومين الماضيين، حيث تم تقديم طبق قانوني اشتراكي على مائدة البحث تضاف لمحاولات الأفرقاء السابقة، بحيث من المتوقع أن يخضع القانون لـ«برمة العروس» التي ستغطي القيادات المعنية عبر وفد من الحزب التقدمي مكلف بشرح ماهية القانون للقيادات اللبنانية.
اهم من الغوص في «شكل» قانون جنبلاط وحيثياته وامكانية تطبيقه على ارض الواقع وحظوظ التوافق عليه هو «أبعاد» الخطوة سياسياً، أي المبادرة وتوقيت إطلاقها، والتأكد مما اذا كان جنبلاط سيبذل جهداً لتسويق صيغته فعلاً أم أنها جاءت كـ»رفع عتب» منعاً لتوجيه التساؤلات عن غياب كتلة وازنة ككتلة التقدمي الاشتراكي عن تقديم مقترحات او صيغ انتخابية كما تفعل زميلاتها من الكتل الأساسية أو ربما أيضاً جاء لرفض الاشتراكيين الإجحاف الذين يشعرون به، كما عبّر مسؤولوه الذين يستهجنون عدم دعوتهم لبعض الطاولات المستديرة المخصصة لبحث قانون الانتخاب. وبين هذا وذاك لا شك في أن في الخطوة مؤشر أساسي وهام وهو «ابتعاد» النائب جنبلاط خطوة عن قانون الستين الذي كان قد أخذ عليه تمسكه فيه. وهو ما تقصده عبر نوابه ومسؤولي الحزب حتى تبين اليوم أنه كان نوعاً من إعلاء السقف المدروس من جنبلاط قبل النزول عن الشجرة بعد أن اطلع على رغبة وطروحات الجميع وشرح هواجس حزبه. ولهذا السبب كانت هناك جولات من الرسائل المباشرة وغير المباشرة بين حزب الله وجنبلاط تمحورت عند مسألة «التطمينات» بالأشهر الماضية تقدمت من حزب الله للاشتراكيين وكانت هناك زيارة بارزة علنية من وفد رفيع لحزب الله قبل نهاية العام الماضي بهذا الإطار أعقتبها تصريحات ملتبسة من الطرفين أكدت وجود تباين معين بالنظر بقانون الانتخاب.
يكشف مصدر سياسي بارز لـ«البناء» أن النائب وليد جنبلاط هو اكثر المتضررين من قانون «الستين» على عكس ما يروّج وأنه يدرك هذا جيداً منذ اول يوم من بدء الطروحات القانونية الانتخابية وأن مسألة التمسك به كقانون نافذ كانت خطة واضحة الأهداف وخطة «مدروسة» منه. فبنظرة بديهية لتوزيع القوى وتغير التوازنات الدولية اليوم، فإن قانون الستين الذي أنتج «حلفاً» رباعياً بالسابق انضمّ اليه وليد جنبلاط برفقة حزب الله والمستقبل ليس ممكناً في هذه الأيام ولا يبدو أن حزب الله يعيش لحظة «مسايرة» محلية. فهو بدأ بالكشف عن فائض قوته للداخل والخارج وكانت الجولة الإعلامية الأخيرة في الجنوب التي نظمها دليلاً على ذلك يُضاف اليها نجاحه بإيصال مرشحه العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية. وبالتالي يعرف النائب وليد جنبلاط عبثية تمسكه بقانون الستين لتغيّر الظروف محلياً ودولياً. ومن الصعب تشكيل اللوائح والتحالفات نفسها والضمانات التي فرضتها مرحلة انتخاب الرئيس ميشال سليمان وما بعد 7 أيار التي كانت تتطلب الوقوف عند السلم الأهلي وتهدئة الاجواء والنفوس. ويختم المصدر «حسناً فعل النائب جنبلاط بابتعاده درجة عن الستين وطرحه قانوناً يؤكد نيته خوض المعركة بنفس منفتح».
يبقى ألا ننسى، وفقاً للمصدر نفسه، نتائج الحلف الانتخابي الأكيد بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية إذا اعتُمد قانون الستين وما سيرتّبه في الدائرتين الأهم لجنبلاط وحزبه عاليه والشوف. وهذا ما أصاب بكشف الريس سعد الحريري بقوله أنا وجنبلاط لن نربح بالتأكيد، بل سنخسر مقاعد في حال السير بقانون الستين.
وإذا كان النائب وليد جنبلاط أحد أبرز المتضررين من قانون الستين وظروفه الجديدة إلا أن جنبلاط تقصّد حشر دعاة النسبية والمختلط بجعل التخلص من قانون الستين ثابتة لا تراجع عنها، وصولاً لرفع شعار لا للستين ولو أدّى للفراغ او التمديد، فلما اطمأن إلى دفنه، جاء يتقدم بصيغته التي تناسبه ويراهن على تسويقها عند الغير الذين كشفت صيغهم ما يناسبهم وراعاها المشروع الجنبلاطي. وهو لم يُخف يوماً معياره في الحكم على القانون المناسب بالمكاشفة للجميع بطلب حجم نيابي لا يقلّ عن الحجم الحالي لكتلته بعيداً عن مدى صحة القانون وسلامته، ورفضه ومقاربته للستين لم يكونا من باب عدم اعتباره قانوناً صحيحاً ولا تبنّيه علناً كان من موقع الحرص على إجراء الانتخابات.
جنبلاط لا يزال أمهر اللاعبين السياسيين، يقول مصدر برلماني يعرفه عن قرب.