لأول مرة يرافق الكثير من التساؤل الدورة الثانية من الإنتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى بعد أقل من أسبوعين بين المرشحين اللذين تأهلا في الدورة الأولى يوم أول من أمس الأحد.
المرتقب، و«الطبيعي» أن يفوز ماكرون في هذه الدورة، إلاّ أنّ المناخات الغربية عموماً، والأوروبية خصوصاً، والفرنسية تحديداً تشي بأنّ الباب مفتوح على مفاجأة إذا حصلت ستكون مدوّية من دون أدنى شك.
والطبيعي هو أن تلتقي الأطراف المتنافسة، جميعها تقريباً، على «توافق يوم أحد إنتخابي» ضد السيدة لوبان التي تشكل بعبعاً بالنسبة اليهم جميعاً، بعدما باتت تشكّل خطراً وجودياً عليهم... مستفيدة ممّا تعرّضت له فرنسا من أعمال إرهابية آخرها كان عشيّة الدورة الأولى للإنتخابات.
صحيح أن ما عرف في فرنسا بـ«التصدّي للإرهاب» ليس وقفاً على مدام لوبان، ولكنها ذهبت الى أبعد مدى من سائر المرشحين إنطلاقاً من مواقف حزب الجبهة الوطنية الذي أنشأه والدها، ومن تطوّر العمليات الأمنية الموصّفة بأنها «إرهابية» ليس في قاموس الجبهة وحدها إنما في القاموس السياسي الفرنسي العام.
ثم إن لوبان تخوض معركة حياة أو موت سياسي بالنسبة اليها... فهذه ستكون آخر معاركها إذا لم تحقق رقماً مرتفعاً في الدورة الثانية قد لا يوصلها الى الرئاسة إنما يعطيها دفعاً لتبقى على رأس «الجبهة الوطنية» اليمينية المرفق إسمها بـ «التطرّف» الا انها استبقت ذلك منتصف الليل باعلان استقالتها من الجبهة في محاولة منها للتقرب من سائر الاطراف، علما ان آخر الاستطلاعات اعطتها اربعين في المئة مقابل ستين في المئة لمنافسها.
لا شك في أن المزاج تغيّر كثيراً لدى الشعب الفرنسي فليس بسيطاً أن يحلّ موعد الدورة الثانية الحاسمة من دون أن يكون في المنافسة أحد من الحزبين الرئيسين اللذين تناوبا ليس فقط على التنافس بل أيضاً على الوصول الى قصر الإليزيه: أي اليمين المعتدل الديغولي ويقابله اليسار المعتدل الإشتراكي. فمنذ أن أقام الرئيس الكبير الجنرال شارل ديغول الجمهورية الخامسة والتنافس الرئاسي بقي محصوراً بين الطرفين. وفيما بقي الحزب الإشتراكي على تسميته التاريخية، تبدّل الجانب الديغولي في التسمية إلاّ أنه بقي في المواجهة مهما كان إسمه.
وسُجلت المواجهة بين هذين «الحزبين»، أو بين أحدهما وطرف آخر، كما حدث بين جاك شيراك وجان ماري لوبان والد المرشحة الحالية، ولكنه لم يُسجل ان الحزبين الأكبرين كانا، معاً، خارج المنافسة، إلاّ هذه المرّة، وهي الوحيدة.
والسيّدة مارين لوبان التي أقصت والدها، المتقدّم في العمر، هي بدورها مهدّدة هذه المرة بالإقصاء عن رئاسة الحزب لمصلحة حفيدته إبنة شقيقتها التي يرتاح اليها الجد المؤسس أكثر مما يرتاح الى ابنته وهي التي اتهمته بأنه احبط مساعيها السياسية، واتهمته بأنه (عمره 86 عاماً) دخل في حلقة مفرغة جدّية بين استراتيجية الأرض المحروقة والإنتحار السياسي».
لذلك قد تشهد الأيام القليلة الآتية جهوداً مضاعفة من مارين لوبان قد تستخدم خلالها أوراقها كلّها.
ومع أنّ «الموائد السياسية» التي قدمتها أقنية تلفزيونية فرنسية توقعت فوز ماكرون (الآتي على حصان أبيض هو «شبوبيته» وكونه سياسياً «غير شكل») فإن بعضها لم يستبعد أن «يبلغ التغيير مداه» فتصل لوبان الى قصر الإليزيه.
وعندئذ قد نكون أمام عالم مذهل من أبرز وجوهه ترامب في واشنطن وبوتين في موسكو وأردوغان في أنقره و... مارين لوبان في باريس وهذا ما تسمّيه الصحافة الفرنسية «الإنفجار الكبير» (جداً).