على الرغم من إعلان أبرز التنظيمات العسكرية المعارضة على الساحة السورية، أي جبهة "النصرة"، منذ أشهر طويلة إنفصالها عن تنظيم "القاعدة" للبقاء بعيداً عن دائرة الإستهداف تحت عنوان محاربة الإرهاب، خرج زعيم "القاعدة" أيمن الظواهري في الأيام الماضية، عبر تسجيل صوتي يحمل اسم "الشام لن تركع إلا لله"، لدعوة المجموعات المسلحة في سوريا للإنتقال إلى إستراتيجية حرب العصابات، لأنها تؤدي إلى "إنهاك الخصم وإستنزافه".
على هذا الصعيد، تُطرح علامات الإستفهام حول الهدف من هذه الدعوة في التوقيت الحالي، لا سيما أنها جاءت في إطار حديثه عن حرب طويلة، لأن "أعداء الجهاديين" يستهدفونهم لأنهم يسعون إلى إقامة حكم إسلامي في سوريا، وعن أن الغرب وحلفاؤه يبذلون كل ما بوسعهم لإيقاف "المدّ الإسلامي"، محذّراً من "تحويل الصراع إلى داخلي سوري".
في هذا السياق، تشير مصادر مطلعة، عبر "النشرة"، إلى أن جميع التسجيلات التي تبث لزعيم "القاعدة" من الضروري البحث في تاريخ تسجيلها، نظراً إلى أن تاريخ نشرها عادة لا يأتي بالسياق الزمني الذي سُجلت فيه، وتلفت إلى أن هذا الأمر ظهر تسجيلات عدّة أكدت ذلك، وترجح أن يكون السبب هو الإجراءات الأمنية المشددة المتبعة لمنع إنكشاف مكانه.
بالنسبة إلى المضمون، توضح هذه المصادر أنه يشكل إعترافاً من قبل الظواهري بفشل الإستراتيجية التي كانت معتمدة من قبل أنصار "القاعدة" في السنوات السابقة، والتي كانت تشمل السعي إلى إقامة "إمارة إسلامية في أرض الشام"، وتلفت إلى أن الرجل يدعو اليوم تلك الجماعات إلى الإنتقال لـ"حرب العصابات"، ما يعني التخلي عن السيطرة على المدن والبلدات نظراً لعدم إمكانية الإحتفاظ بها أو ضمان أمنها، وتشير إلى أن هذا الأمر يعود أيضاً إلى الفشل في تأمين بيئة حاضنة، نظراً إلى أن زعيم "النصرة" أبو محمد الجولاني إضطر إلى إعلان الإنفصال عن "القاعدة"، بسبب الضغوط التي فرضت عليه من قبل باقي الفصائل المسلحة، لكن تلك الضغوط لم تتوقف بسبب الإستمرار في تصنيف الكيان الجديد المولود من رحم الجبهة منظمة إرهابية، ما أدى إلى رفض أغلب تلك الفصائل لخطوة الإندماج معها في هيئة "تحرير الشام".
على هذا الصعيد، تشرح المصادر نفسها أن زعيم "القاعدة" يدرك أكثر من غيره عدم قدرة الفصائل السورية المعارضة، المُصنفة إرهابية، على الإستمرار في الأسلوب القتالي نفسه في ظل إشتداد المعارك التي تقودها الدول الكبرى، لا سيما الولايات المتحدة وروسيا، وهو من أجل ذلك يريد منها العودة إلى سياسة "الإختباء" والإكتفاء بشن عمليات أمنيّة بين الحين والآخر، وتضيف: "ربما هو الآن يعطي درساً من تجربته في أفغانستان بعد الحملة التي قامت بها واشنطن على خلفية هجمات 11 أيلول في العام 2001، لا سيما بعد تعرض العديد من قيادات الجبهة إلى عمليات إغتيال نوعية".
في الإطار نفسه، تضع المصادر المطلعة تجديد الظواهري دعوته الفصائل إلى الإتحاد، إلى جانب دعوته إلى إعلان أن "جهاد الشام هو جهاد الأمة المسلمة كلها"، وتحذيره من "المخادعين الذين يريدون تحويل الجهاد لحرب وطنية سوريا"، أمام سؤال "هل هي مجرد مراجعة نقدية لما حصل منذ إعلان "النصرة" فك إرتباطها عن "القاعدة" فقط، أم أنها إنتقاد لها لما قامت به نظراً إلى أنه لم يحقق النتائج المرجوة منه"؟.
بالتزامن، ترى هذه المصادر أن رسالة زعيم "القاعدة" لا يجب أن تنفصل عن الصراع القائم مع تنظيم "داعش" الإرهابي، لا سيما أن الأخير بات يسيطر على المشهد العام من خلال العمليات التي يقوم بها في مختلف دول العالم، وتضيف: "الظواهري يشعر بأن الزعامة تتطلب منه العودة إلى الواجهة بقوة، وهذا الأمر لا يمكن أن يتم إلا عبر الساحة السورية".
في المحصلة، الظواهري أعلن في رسالته الأخيرة بطريقة أو بأخرى فشل الإستراتيجية المعتمدة من قبل الفصائل التي تدور في فلك "القاعدة"، لكنها هل تنجح في تطبيق "نصيحته" بالعودة إلى "حرب العصابات"؟.