قرر حزب الله نهاية الأسبوع الماضي ترك دبلوماسيته بالتعاطي مع الملف الانتخابي جانبا، وحسم موقفه النهائي بعد مرحلة من انتهاج سياسة "التمريرات" مع حليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي تولى عنه في الساعات الماضية نعي مشروع رئيس التيّار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل التأهيلي. وكان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد توكل شخصيا باطلاق "رصاصة الرحمة" على كل القوانين المختلطة وآخرها ذلك الذي تقدم به رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي"، واصفا ايّاه بغير الدستوري والمنطقي.
ولم تعد تصريحات المسؤولين في الحزب كما مواقف نوابه ووزرائه المتمسكين بالنسبيّة الكاملة، عابرة وقابلة للأخذ والرد كما كانت في الفترة الماضية. بل باتت تحمل رسائل مبطنة وحازمة لجهة ان حزب الله اتخذ قراره النهائي وهو لن يسير بقانون انتخابي لا يعتمد النسبية الكاملة على ان يحصر أي نقاش بعدد الدوائر. ووفق مصادر مطلعة على موقف الحزب، فهو وكما كان مقتنعا تماما بأن ظروف المنطقة ولبنان تتيح له بفرض مرشحه للانتخابات الرئاسية، يبدو أكثر اقتناعا اليوم بقدرته على فرض قانون الانتخاب الذي يريده وبالتالي كسر حلقة 8 و 14 آذار التي كانت تتحكم باللعبة السياسية اللبنانية، وتسمح لأخصامه بامساكه من اليد التي تؤلمه في أكثر من محطة. وتتابع المصادر: "يعتبر حزب الله اليوم أن امامه فرصة ذهبيّة قد لا تتكرر في السنوات المقبلة لتغيير التركيبة السياسية القائمة في البلد، من خلال وضع حدّ لأحادية التمثيل السني والدرزي من خلال تيار "المستقبل" والحزب "التقدمي الاشتراكي" وفتح الباب أمام حلفائه السنة والدروز. ولذلك تراه يرفض أيضا اي قانون يكرّس الثنائية المسيحية ويتولى الدفاع المستميت عن الوزير السابق سليمان فرنجية، وقد لا يتردد بضمان تمثيل حزب الكتائب خدمة لمشروعه الكبير القائم على تغيير المعادلة التي تحكمت باللعبة السياسية طوال الأعوام الماضية".
وان كان معظم أخصام الحزب يرفضون النسبيّة ليس فقط لكونها تقلّص من أحجامهم النيابية، بل لأنّها قد تسمح له بالامساك بمفاصل الحياة السياسية من خلال مجلس نواب تكون الأكثرية فيه بطريقة أو بأخرى مؤيدة له، لا تستبعد المصادر أن يحصل "ضغط خارجي في الايام القليلة المقبلة يتصدى للنسبية تماديا بتطويق حزب الله وحرصا على ابقاء التوازنات السياسية على حالها ما يسمح للقوى الاقليمية والدولية بالاستمرار بتسيير السفينة اللبنانية وفقا لأجنداتها وأهوائها".
ويعوّل الحزب، بحسب المصادر، على "حكمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي نقل عنه عدد من الزوار عدم تمسكه بأي صيغة من الصيغ المطروحة وحتى تلك التي طرحها الوزير باسيل، وميله الى النسبية الكاملة التي لطالما كانت مشروعا عونيا". ولعل الحزب يستفيد اليوم وأكثر من اي وقت مضى من تلاقي أجندته مع أجندة المجتمع المدني بما يتعلق بملف قانون الانتخاب، فاذا بهما وللمرة الاولى يتلاقيان على وجوب اعتماد مقاربة وطنيّة لا يمكن ان تكون الا من خلال النسبية الكاملة، وان كان هدف حزب الله منها لا يمت بصلة الى أهداف القوى العلمانية التي تطمح لأن يكون قانون الانتخاب خطوة اولى باتجاه الدولة المدنية المنشودة.
بالمحصلة، هو لا شك مخاض انتخابي عسير مقبل على البلاد في الاسابيع الـ3 المقبلة، مع ترجيحات بتصعيد على كل الجبهات قد يليه انفراج فولادة في ربع الساعة الاخير الذي يفصلنا عن الجلسة النيابية المحددة في 15 أيار المقبل.