عادت الأمور إلى نقطة الصفر. أعطى الرئيس سعد الحريري موافقة على المشروع التأهيلي المقدّم من وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل، ثم عاد فتريّث نتيجة اعتبارات عدة. تكمن أول هذه الاعتبارات باجتماعه مع وفد من الحزب التقدمي الاشتراكي. اجتماعٌ كان سيئاً وساده التوتر.
سمع الشيخ سعد خلال لقائه وفد المختارة لغة حرب أهلية، أعقبها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط بتغريدة شديدة القسوة قائلاً: «إذا كان مشروع الاشتراكي مضيعة وقت، فإنّ التأهيل الطائفي ضرب للوحدة الوطنية لتيار يُسمّى «مستقبل» لكن قد يصبح ماضياً، وبالمناسبة لا أعني تياراً محدّداً بل كلّ الذين يزايدون في التغيير وهم من التغيير براء».
واجه الحريري نفسه عاصفة من الانتقادات في جلسة كتلة المستقبل أول أمس. استمع بحسب ما علمت «البناء» لملاحظات بعض وزراء ونواب تياره حول التأهيلي وضرورة عدم السير بصيغة طائفية والابتعاد عن التفكير آنياً. فالتحالفات قد تتبدّل بعد أربع سنوات. وكان لافتاً يوم الثلاثاء عدم تضمين بيان كتلة المستقبل أية إشارة إلى قانون الانتخاب.
بعث الحريري مساء أمس برسالة إيجابية إلى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتأكيده من عين التينة، بعد لقائه رئيس المجلس النيابي نبيه بري أنه لن يسير بالتمديد. شدّد رئيس الحكومة على أنّ «الأمور بكلّ القوانين التي تقدّمت بحاجة إلى القليل من التوافق». فهل سيتجاوز الرفضَ الجنبلاطي لمشروع رئيس التيار الوطني الحر، أم أنه سيأخذ الموقفَ الاشتراكي بعين الاعتبار؟
في المحصلة يبدو الحريري حائراً. فهو يضع «رِجلاً في البور ورِجلاً في الفلاحة»، خاصة أنه أسرّ لحزب الله في أكثر من مناسبة أنّ الحلّ يكمن في النسبية الكاملة. يطرح الشيخ سعد الذي وافق على الاقتراحات المطروحة كلها من المختلط إلى النسبية الكاملة وصولاً إلى التأهيلي، الحلّ في واحد من اتجاهين: إما إقناع التيار الوطني الحر بالنسبية الكاملة أو الاشتراكي بالتأهيلي.
أمام ذلك، يتمسّك رئيس المجلس النيابي برفض التأهيلي. شرح «دولته» أمس، أمام زواره مطوّلاً صيغة النظام النسبي مع تقسيم لبنان ست دوائر وفكرته لمجلس الشيوخ.
لن يأتي، بحسب بري، في زمن مستقبلي مَن يجرؤ على التفريط ببعض صلاحيات مجلس النواب وتحويلها إلى مجلس الشيوخ، مثلما فعلت حركة أمل وحزب الله وتجاوزهما للأصول التي تستدعي الالتزام باتفاق الطائف واقتران تشكيل مجلس شيوخ مع مجلس نواب غير طائفي.
يقول بري: «أنا لن أوافق على التأهيلي، لكن إذا أصرّوا عليه فليحيلوه إلى البرلمان لإقراره بالتصويت».
لا تلغي هذه المواقف ضبابية صورة ماذا سيحصل في تاريخ 15 أيار؟ هل ستنفرج في 14 منه، بما يمهّد لإقرار قانون إنتخابي في الجلسة العامة في 15 مع تمديد تقني مبرر تجري الانتخابات على أساسه في أيلول أو تشرين الأول المقبل؟ أم يعود الحريري في حال عدم الاتفاق على قانون انتخابي جديد إلى «بيت طاعة» التمديد وهو الخيار الأكثر ملاءمة له وعندها يقرّ التمديد في 15 أيار لمدة سنة؟ أم سنكون أمام مقاطعة درزية ميثاقية تعطل انعقاد جلسة 15 أيار، فيضطر رئيس الجمهورية لفتح دورة استثنائية قد تقتصر على يوم واحد هو يوم العشرين من حزيران، أيّ قبل انتهاء ولاية المجلس بيوم واحد للاتفاق على قانون انتخابي جديد؟
إذا لم يحصل أيّ سيناريو من هذه السيناريوات، فيكون لبنان قد دخل في الفراغ. فراغ مرفوض من الثنائي الشيعي، لكنه سيمهّد، بحسب رؤية الرئيس عون إلى انتخابات في غضون 3 أشهر وفق قانون الستين.
إنّ إقرار التمديد في جلسة 15 أيار وتحويله قانوناً سينقل المعركة إلى مستوى آخر يتصل بالمجلس الدستوري، كما أنّ إقرار التأهيلي سيجابَه برفض قطاعات عريضة تستعدّ للطعن به دستورياً. وفي حال نقل الموضوع إلى المجلس الدستوري سنكون أمام جدل دستوري وسياسي يزيد الأمور تعقيداً.
إنها التراجيديا اللبنانية الانتخابية. تراجيديا تتّسم بغموض واضطراب شديدين يجعلان من إمكانية الحسم في تحديد الوضعية التي ستأخذها التطورات أمراً متعذراً ومعقداً.