"من أجل رؤية الجنة، أنظر الى خلة خازم(1) في جبل الريحان"، هكذا كان يصف أهل تلك المنطقة "خلّتهم"، ولكن قولهم اليوم أصبح مختلفا، فعند الحديث عن هذه البقعة الجغرافية، لا بد من الحديث عن "المجزرة البيئة" هناك.
أزال "مدمرو" الطبيعة من "خلة خازم" أكثر من ألفي شجرة صنوبر معمرة في السنوات القليلة الماضية، اذ لم تستطع مطالبات الاهالي ولا صرخات اتحاد بلديات قرى جبل الريحان، ولا مكتب الزراعة التابع لوزارة الزراعة، في وقف هذه المجزرة، لا بل استطاع الفاعلون الحصول على تغطية رسمية في كل مرة يحاول فيها أحدهم ايقافهم. وفي هذا السياق يشير عضو كتلة "التحرير والتنمية" هاني قبيسي الى أن "الفوضى في قطاع المرامل والكسارات اوصلت الامور الى هذا الواقع السيء"، لافتا النظر الى وجود خلل ما في وزارة الداخلية والبلديات اذ ان الاعتداءات على الطبيعة تتم في وضح النهار وعلى مرأى المواطنين بشكل عادي، ومن يقصد منطقة الريحان يستطيع ان يشاهد بأم العين حجم الخراب اللاحق بالجبال والتلال والاودية من دون ان يتدخل أحد لوقف هذه المجازر".
علمت "النشرة" أن اثنين من كبار المتعهدين في هذا القطاع يعملان في تلك المنطقة، وهما إ. ب، وأبو ن. ش، ويعتبر الأول شريكا أساسيا لـ إ. ع، قريب احد رجال الأعمال الكبار في لبنان. يشكل إ. ع الحلقة الاقوى فهو المختص بنيل التراخيص للمرامل والكسارات، ويقوم بتوزيعها على المحيطين به. وهنا يستذكر رئيس بلدية الريحان حسين فقيه حادثة حصلت عام 2004 إثر زيارة رئيس البلدية السابق فيصل زين الى وزير الزراعة آنذاك أكرم شهيب، ويقول فقيه في حديث لـ"النشرة": "سأل زين عن سبب موافقة الوزير على اقتلاع 150 شجرة صنوبر معمّرة من خلة خازم، وسمع جوابا واضحا من شهيب "ما فينا نزعل بوب"، بإشارة الى الرجل الذي تحدثنا عنه اعلاه".
ويضيف فقيه: "فور وصولنا الى البلدية تمنينا على إ. ب، وأبو ن. ش أن يعيدا استصلاح ما قاما به من تخريب، فالتزم الثاني وهو بصدد زرع ما يقارب عشرة آلاف شجرة، بينما رفض الاول"، مشيرا الى ان الاعمال توقفت في المرامل، ولن توافق البلدية على تجديد رخصة الأول التي تنتهي في شهر أيلول ما لم يلتزم باستصلاح الاراضي والتشجير".
ويشدد فقيه على رفض البلدية المطلق لأي عملية قطع أشجار مستقبلية، مشيرا الى أن الغطاء مرفوع من قبل حزب الله وحركة أمل، وهما يصران خلال اللقاءات على ضرورة الضرب بيد من حديد ووقف المجارز البيئية، مشيرا الى القضية أكبر من نائب ومستثمر، وعلى الجميع التحرك لوقف الفوضى.
يؤكد قبيسي أن حل هذا القطاع لا يمكن أن يكون بتوقيف الاعمال كما حصل اخيرا، اذ أن خلاف وزارتي البيئة والداخلية لا يجب ان ينعكس على حاملي الرخص القانونية وسائقي الشاحنات، بل يجب العمل على تنظيم القطاع وإعطاء كل ذي حق حقه. ويقول: "في وزارة الداخلية اليوم 15 ملفا قانونيا لأشخاص التزموا بالقانون ودفعوا مبلغ الـ300 مليون ليرة المتوجبة عليهم لنيل الرخص، دون ان يُسمح لهم بالعمل، مقابل حصول البعض على رخص استصلاح أراضٍ لفتح مرامل وكسارات دون العودة للمجلس الاعلى للمقالع والكسارات".
لا يوافق قبيسي على تحركات سائقي الشاحنات، ولكن لا يحملهم وحدهم المسؤولية، فالدولة هي المسؤول الاول والاخير عن قطاع الكسارات والمرامل، وعن وصول سعر لوحة الشاحنة الى 50 الف دولار أميركي، وهو ما يعني أن السائقين بحاجة الى عمل، والقطاع بحاجة الى تنظيم لا إلى توقيف.
"حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهّم أهل الباطل أنهم على حق"، هكذا باختصار يمكن توصيف موقف أصحاب المرامل والكسارات الذين عملوا طوال السنوات الماضية خلافا للقانون بظل سكوت المعنيين، فظنوا أن عملهم هو حق لهم ويجب ان يستمر بالطريقة نفسها. ولكن هل يمكن لهؤلاء ومن يقف خلفهم أن ينظروا بـ"عين بيئية" لما اقترفت أيديهم مقابل المال؟.
(1) تُعتبر من أشهر المحميّات الطبيعية في الجنوب، لجهة الغلاف الطبيعي المميز والتنوّع الأيكولوجي في داخلها فضلاً عن أنواع الحيوانات والطيور النادرة التي كانت موجودة فيها في ستينات القرن الماضي، وفيها مدخل "مغارة نبع الشتوي" التي اكشتفت عام 1956 وهي شبيهة بمغارة جعيتا.