ما أحلاها حكومة “استعادة الثقة” عندما تلوذ بالفرار رغم أن رئيسها أكثر الحريصين على ديناميتها. ما أحلاها حكومة “استعادة الثقة” عندما “تمسك واجبًا” مع مجلس النواب فتعلق أعمالها وترتضي الشلل عنوانًا لها ولكن... ليس لوقتٍ طويل. فالرئيس سعد الحريري ليس الرئيس تمام سلام، وحكومة استعادة الثقة ليست حكومة المصلحة الوطنية.
ما دخل قانون الانتخاب بين اثنين إلا وزرع الفتنة بينهما. وكأني به ملفٌّ مسكونٌ مسحورٌ ملعونٌ لا يترك الأفرقاء السياسيين هانئين بحياتهم السياسية المُمدّدة قسرًا، ولا يترك للصلح مطرحًا.
فقدت نصف سمعها
ما هي المعادلة الحكومية اليوم؟ يصطلح قانون الانتخاب ومعه النفوس فيصطلح الوضع الحكومي. المعادلة بهذه البساطة. فما إن أبصرت اللجنة الوزارية المنوط بها درس قانون جديد للانتخاب النور حتى فقدت الحكومة نصف سمعها وأدارت الأذن الصمّاء لكلّ سائل عن أحوالها، لا بل تبدّلت أحوالها وطباعات ناسها وغدا الغياب عن الالتئام الحلّ الأيتم أمام حجم المعضلة. فليس هناك على الطاولة ما يُناقش، أو هكذا هُيِّئ لكثيرين من الذين يضعون قانون الانتخاب نصب أعينهم متناسين أن للحكومة دورًا تنفيذيًا تتصدره هموم الناس المعيشية والإجابة عن تساؤلات جميع أولئك الذين ينزلون بين يومٍ وآخر الى الشارع ليقطعوا الطرق ويحرقوا الإطارات مطالبين بحقٍ أو دعمٍ أو رفع مظلومية.
أولوية مطلقة
لا يبدو الأمر وكأنه تهرّبٌ من المسؤولية على ما تؤكد مصادر حكومية لـ”البلد”، بل إفساحٌ في المجال أمام الاتصالات والمشاورات لاصطفاء الطرح الأكثر تلاؤمًا مع طموحات الجميع أو الأكثرية الكفيلة بإنجاح الصيغة وتبنيها. وليس التنصّل واردًا في هذا المجال لا سيما في دوائر القصر، بعدما تعهّدت الحكومة بنفسها فور تشكيلها بأن تتولى أمر قانون الانتخاب وبأن يكون
هذا الأمر أولويتها المطلقة. غدر الوقت بالحكومة ورئيسها، منحه رئيس الجمهورية وقتًا إضافيًا تنتهي صلاحيته بعد ستّة عشر يومًا. سارع الرئيس الحريري الى طرح ما لديه في محاولةٍ لإنقاذ الوضع. يبقى التأهيلي في البال، ويبقى النائب وليد جنبلاط متمسكًا برفضه. لا حاجة الى مزيد من التملّق بعدما أصبح المعطلون معروفين وغير خافين على أحد.
نبضٌ غائب!
لم تنتهِ هموم الحريري عند هذا الحدّ، فعلى الرجل أن يعيد النبض الى حكومته. على الحريري الذي يعلق عليه الجميع آمالًا جمّة ألا يترك مجالًا للشلل ليتسلل الى جسد حكومته القوي ببنيته خلافًا للتنافرات التي شهدتها الحكومة السابقة. خرج الحريري من القصر ممتنًا وغير ممتن. بعضهم يقول إن الرجل محاطٌ بتهديداتٍ من أكثر من فريق بالانسحاب من جلسات الحكومة لا بل مقاطعتها في حال مباركة التمديد لا بل في حال المشاركة في جلسته المرتقبة بعد فترة الغياب القسري للبرلمان. لا يهمّ. سيد السراي واعٍ للأمور وتفاصيلها، ومن هذا المنطلق خرج معلنًا أنه سيدعو الى جلسةٍ حكومية الأسبوع المقبل يكون قانون الانتخاب بطلها الأول والأخير.
رمي المسؤوليات
صحيحٌ أن الرئيس نبيه بري تلقّف المبادرة في مجال استنتاج قانون جديد للانتخاب في انتظار بعض الانفتاح من جميع الأفرقاء، بيد أن سياسة رمي المسؤوليات تسلك طريقها الى كلّ الدور بلا استثناء. جلّ ما يطمئن رافضي التمديد من جذوره ولا سيما التيار الوطني الحرّ أن الرئيس الحريري لا يمكنه أن يتراجع عن كلمته وعن وعدٍ قطعه على رئيس الجمهورية في لقائهما الأخير بألا يرتضي بالتمديد بأي شكل من الأشكال وبألا يسمح لجلسة 15 أيار بأن تُعقَد أصلًا على شرف التمديد وعلى جثة الديمقراطية، وهو ما نقله الحريري بصراحةٍ تامة الى برّي فقطع عليه الطريق الى تمديدٍ محتمل كان سيد عين التينة غمز من قناته أكثر من مرة باعتباره أهون الشرين لا بل أقل الكؤوس مرارةً إذا ما وُضِع في مواجهةٍ مع الفراغ الذي يرفضه رئيس المجلس رفضًا قاطعًا. وعليه، حرّك بري عجلاته لمّا سمع من الحريري قراره برفض التمديد، وعاد ليبادر بطرح صيغةٍ جديدة قد تنضج قبل الخامس عشر من الشهر المقبل.
جنب الحائط!
على قاعدة “السير جنب الحائط والقول يا ربّ السترة” يعمل الحريري. هو الإطفائي الشاب الصبور الناكئ جراحًا جمّة والهادئ طبعًا وروحًا. متصالحًا مع خياره الرافض للتمديد يبدو الحريري تماهيًا مع موقف رئيس الجمهورية وتناغمًا مع متطلبات العهد ووعده. يجيد الرجل إدارة شؤون حكومته بروية وحكمة وهو ما فعله منذ لحظة تأليفها الأولى حتى اليوم الى أن ألمّت به مصيبة القانون الانتخابي، فكان قرار “ترييح” الحكومة ومنحها وقتًا مستقطعًا لتجنيب أبطالها الهشيم الانتخابية.
قدرٌ وعهد...
هو قدرُ العهد لا بل هو عهدُه. عهدٌ قطعه على نفسه رئيس الجمهورية ومعه رئيس الحكومة بأن يكون حُكمُهما نظيفًا من الشوائب فكم بالحري إذا كانت الشائبة التي تهددهما ما هي سوى قانون الانتخاب الذي ينتظره اللبنانيون منذ أكثر من ثماني سنوات لا بل ينتظرون ممارسة حقٍّ سلبه منهم أربابُ التمديد ويعدون اليوم بإعادته إليهم ولكن من غير أن يضمنوا أن يؤمّهم بقانون عادلٍ ومنصف وجديد بقدر ما يبتسم لهم من بعيد مذكرًا إياهم بأن القانون الساري ما انفكّ حيًا وبأنه ما زال حتى الساعة في ظلّ غياب أي صيغة تقدّمية... القانون الظافر!