لفت مستشار رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي، خلدون الشريف، إلى "أنّني إلتزمت قضايا الحقّ حيث أراها، لكنّني كما أغلب أبناء جيلي والأجيال الّتي تلت، دخلنا رويداً رويداً مرحلة الإنفصام: كنت مع المقاومة ضدّ إسرائيل حتّى العظم وفي كلّ المحطّات، وفي حرب تموز 2006 كنت حيث المقاومة ومعها، لكن أسئلة عميقة بدأت تطفو على السطح ويرتفع بنيانها بأدلّة وبراهين لا تحتاج تنجيماً ولا تعمّقاً، أسئلة طابعها وطني وقومي وأخلاقي، كالترابط الجدلي بين المبادئ والواقعيّة السياسيّة، بين الواجب والمتاح، بين القدرات والإستعدادات.
وأشار الشريف، خلال تكريم الأمينة التنفيذية السابقة للاسكوا، الدكتورة ريما خلف، برعاية رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي، في طرابلس، إلى أنّ "دماؤنا تنزف، حرماتنا تنتهك، إرادتنا تسلب، فإذا بريما ومن قلب كلّ هذه التساؤلات تسكب بروحنا بيان استقالتها: أستقيل لأنّني أرى أنّ واجبي اتجاه الشعوب الّتي نعمل لها، واتجاه الأمم المتحدة، واتجاه نفسي، ألّا أكتم شهادة حقّ عن جريمة ماثلة تسبّب كلّ المعاناة لكلّ هذه الأعداد من البشر".
ونوّه إلى "أنّني استعدت شريط المبادئ الّتي علّمتني إياها مدينتي طرابلس، وخرجت بنتائج واضحة، هي: وجود الأنظمة الّتي لم تحقّق ديمقراطيّات ولم تصن حريّات وتمنّعت عن توفير علم جيّد في هذه المنطقة، اتّخذت من فلسطين عذراً لإستباحة كرامة الشعب العربي من المحيط إلى الخليج. كما أنّ القوى الإقليمية إتخذت من فلسطين والقدس مدخلاً لصعودها وتعاظم دورها. والحركات المتطرّفة إتخذت من فلسطين سبباً لتخوض حروبها الخاسرة حول العالم، لتعود تلك الحروب وتنعكس معارك كونية ضدّ العرب. كما أنّ تذابح العرب في ما بينهم وتذابحت الفصائل الفلسطينية والقومية وشنّت حروب إقليمية تحت عنوان تحرير فلسطين، وإنقسم العرب بين أبطال وخونة كلّ من منظار خصمه ودخلنا مرحلة التيه، تقدّمت المذاهب والأعراق والهويات الأضيق".
وشكمر خلف، قائلاً "أيّتها السيدة الّتي تحمل في رصيدها كل ما يمكن أن تحلم به امرأة عربية، والّتي قالت إنّ التقرير الّذي يوثق لإنتهاك سلطات الإحتلال لحقوق الإنسان هو تقرير يوثق للحقّ ولو على الورق، لن أسحبه بل أنسحب، أيّتها السيدة الّتي لم تعمد بدم بطولات ولم تحتجز رهائن ولم تفجر قنابل في المطارات ولم ترفع شارات النصر أو تحاضر في فلسفلة الممانعة بل مجرد امرأة سبحت بمنتهى الهدوء والجدارة والمهارة والرقي عكس الغيبوبة العربية نحو شواطئ كل الوطن، شكراً لمن قالت بأنّ مع الزمن ينبت قمح جديد، وينزل ماء جديد"، مشدّداً على أنّه "تبقى فلسطين دائماً وجهنا الّذي لا يهرم ورؤوسنا الّتي لا تنحني ولا تشيب، من إيماننا بأجيال ستأتي لتصنع مستقبلاً لم نصنعه لهم، من صلب إقتناعنا أنّ على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، وكان لا بدّ من أن نعترف في هذه اللّحظة، بأنّنا لسنا نحن من سينقذ فلسطين بل فلسطين الإنتفاضة بلا قادة، فلسطين السجين الّذي يهزم السجان في معركة غير مسبوقة في التاريخ بأمعاء خاوية إلّا من الماء والملح، فلسطين الّتي رغم انقساماتها ما بين سلطة ومقاومات تعرف كيف تقف في وجه عدوها وقفة رجل واحد، فلسطين التي رفعت الآذان في كنائسها واحتفل مسلموها بعيد القيامة، هي الّتي ستنقذنا من تيهنا وستنتشلنا من بحر الإنقسامات والتراجعات والإنحدار إلى الهاوية".