لا يشبه قضاء الشوف الذي عانى التهجير لسنوات وسنوات أي قضاء آخر لناحية الإنماء أو تواجد الناس فيه، فعلى خلاف بلدات أخرى في الشمال أو كسروان وغيرها التي تضجّ بالحياة صيفاً شتاءً وتعجّ بالناس بإستمرار، تعاني القرى في الشوف نوعاً من الحرمان ما يجعل من الصعب أن تكون المكان الأساسي للعيش طيلة أشهر السنة، حتى ولو تمت عودة الأهالي الى قراهم رسمياً بعد مصالحة الجبل وإقفال ملف المهجرين.

الى ​كفرنبرخ​ في الشوف توجهنا، تلك البلدة التي تبعد عن العاصمة ما يقارب الـ45 كيلومترا. تقول رئيسة البلدية ​وسام الغضبان​ لـ"النشرة" أن "القرية لا تعاني الحرمان إطلاقاً"، إلا أن العين المجرّدة كافية لإجراء مقارنة سريعة بينها وبين أي قرية أخرى في أي قضاء آخر، لتدرك أنه يصعب على من لم يتعوّد العيش فيها رغم كل الظروف أن يسكن هناك، فصحيح أن قسما من بيوتها "عامرة"، إلا أن المحال التجارية تكاد تكون معدودة فيها، ورغم ذلك تسعى الغضبان الى "إعادة الحياة الى هذه البلدة". وتشير الى أن "سكان كفرنبرخ يعيشون في بيروت وبعضهم يقصدها في نهاية الأسبوع لتمضية العطلة"، متمنية أن "تساعدنا الدولة بالإنماء لنعود أفضل مما كنا عليه قبل التهجير".

يُعتبر حال ​معاصر بيت الدين​ أفضل بكثير من كفرنبرخ ففيها البيوت مشيّدة والحياة مقبولة، ولكن ينقصها أيضاً الكثير لتلبي احتياجات المواطنين للسكن فيها بإستمرار، وهنا يشير رئيس بلدية معاصر بيت الدين ​ناجي عبود​ الى "ضرورة ألاّ ننسى أن هذه القرى مرّت بحوالي ثلاثين سنة من التهجير فلا يمكن أن نطلب حذف كلّ هذه المرحلة لنساويها ببقية القرى في لبنان".

يلفت عبود الى أن "المواطن العادي بحاجة الى تأمين أبسط إحتياجاته من مولدات الكهرباء 24 ساعة على 24 للسكن في أي مكان، ولكن المفارقة أن أقرب محل تجاري لشراء الحاجيات في هذه القرية يحتاج الى المسير مسافة طويلة، فكيف إذا نطلب من الناس أن تعيش في القرية بإستمرار وخصوصاً اولئك الذين تعودوا على حياة المدينة"؟.

من جهتها تسعى وسام الغضبان عبر العمل مع الوزارات كافة الى تحسين أوضاع القرية، لافتةً الى أنه "تم إستحداث غرفة أوجيرو إضافة الى بعض الخدمات الإنمائية التي تحسّن وضع البلدة"، كاشفة في المقابل أن "حوالي 22 منزلاً باتوا على وشك السقوط نظراً لوجودهم على رأس الجبل والأرض باتت في الآونة الأخيرة تتحرك ما دفعنا الى إخلاء هذه المنازل حفاظاً على حياة من فيها".

رغم كل المحاولات لتحسين الاوضاع في القرى التي تعرض أهلها للتهجير إبان الحرب اللبنانية، تبقى "الحاجة" أكبر، فهذه القرى بوضعها الحالي تعتبر مكانا غير قابل للسكن. وهنا يلفت رئيس بلدية معاصر بيت الدين الى أن "للبلديات الدور الأساس في اعادة الحياة الى القرى عبر الإنماء المنشود، ولكن كيف ذلك إذا كانت مخصصاتها بسيطة"؟، مطالباً الدولة "بزيادة مخصصات البلديات في القرى المهجّرة حتى تتمكّن من القيام بالمشاريع لتحسين الوضع".

أما عضو تكتل "التغيير والاصلاح" النائب ​ناجي غاريوس​ فشدد على "ضرورة الاسراع في ملف المهجرين مع الأخذ بعين الاعتبار أن الدفعة التي كانت تدفع تساعد في تشييد منزل أما اليوم فهي لا تكفي لتشييد حائط"، مؤكداً في نفس السياق أن "عوامل عديدة لا تزال تعيق عودة هؤلاء الى الجبل وأغلبهم من المسيحيين". إذ بحسب ما يشير فإنهم "لا يزالون يشعرون بأن من هم من طوائف أخرى هم الذين يبسطون الأمن ويسهّلون الحياة في هذه القرى"، ومناشداً المعنيين "بضرورة أن تنظر الدولة الى وضع هذه القرى وتساعد في إنمائها بشكل كامل".

في المحصلة حتى ولو اقفل ملف المهجّرين، إلا أن بصمة التهجير لا تزال تترك آثارها في تلك القرى، ويبقى على الدولة أن تولي البلدات "الفقيرة" المزيد من الإهتمام إذا أرادت فعلاً أن تعود الحياة اليها!.