تضمّنت الوثيقة التي أعلنها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل من الدوحة، 42 بندًا، جرى تسليط الضوء على نقطتين منها: الأولى تتمثّل في إبداء الحركة إستعدادها لتأييد إقامة دولة فلسطينيّة مُستقلّة على حدود العام 1967، والثانية تتمثّل في إعلان الحركة التخلّي عن جماعة الإخوان المُسلمين كمرجعيّة تأتمر بها. فهل من تغيير جوهري في إستراتيجيّة حماس، وهل ستُلاقي إسرائيل ما وصفه الكثيرون بالمُقاربة "الإيجابيّة" من جانب حماس إزاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟
لا شكّ أنّ حركة حماس تُحاول عبر وثيقة المبادئ والسياسات العامة التي كشفت عنها من العاصمة القطريّة أخيرًا، فك الطوق المضروب حولها إقليميًا ودَوليًا، وفرض نفسها كلاعب يُمكن التحاور معه من قبل أصحاب القرار على المُستويين الإقليمي والدَولي، إضافة طبعًا إلى الجانب الداخلي المُرتبط بمُنافسة حركة "فتح" وتقديم البديل المنطقي لها. وبالنسبة إلى الصراع مع إسرائيل، فإنّ الحركة أكّدت في وثيقتها السياسيّة الأحدث التمسّك بالحقوق مُجدّدة رفضها الإعتراف بإسرائيل، لكنّ التطوّر اللافت تمثّل في قبول منطق الدولة الفلسطينيّة، ما يعني عمليًا القبول بمنطق الدَولتين ولو من دون إعتراف علني بذلك، والأهمّ وفق حدود العام 1967 أي وفق مُقاربة واقعيّة قريبة جدًا من تلك التي كان الفريق التفاوضي الذي عيّنه الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مطلع حقبة التسعينات من القرن الماضي قد تقدّم بها أمام المَحافل الدَوليّة. إشارة إلى أنّ حماس ترغب أيضًا حجز مقعد لها في أي مُفاوضات مُحتملة قد يتم تحريكها في المُستقبل القريب، بضغط أميركي وبتغطية عربيّة، كما يتردّد على غير صعيد. ومُحاولة حماس التخلّص من صبغة المنظّمة الإرهابيّة التي تُطلقها عليها الكثير من الدُول الغربيّة من خلال وثيقة سياسيّة أكثر إنفتاحًا من أيّ وقت مضى، تزامنت أيضًا مع مُحاولة للتقرّب مُجدّدًا من مصر، عبر التخلّي عن حركة "الإخوان المُسلمين" كمرجعيّة يُحتذى بها، وذلك في محاولة لكسر الحصار الجغرافي التي تُعاني منه الحركة، بفعل الطوق الخانق الذي تفرضه السلطات الإسرائيليّة عليها، والذي إشتدّت وطأته نتيجة الإجراءات المُشدّدة التي تتخذها السُلطات المصريّة بعد أن ساءت علاقتها بالحركة إثر الإنقلاب على حكم الرئيس محمد مرسي وحظر حركة الإخوان المُسلمين في مصر.
لكنّ كل التحاليل الغربيّة تؤكّد أنّ إسرائيل لن تُلاقي ما جرى وصفه بإيجابيّة حركة حماس إلى مُنتصف الطريق، وذلك لأسباب عدّة، أبرزها:
أوًلاً: إنّ إسرائيل بحاجة إلى عدوّ دائم، مثل حماس وسواها، للحفاظ على العصبيّة القوميّة لشعبها، وللقيام بعمليّات شد عصب دَوريّة لقوّاتها المُسلّحة.
ثانيًا: إنّ إسرائيل بحاجة إلى عدّو دائم، مثل حماس وسواها، للإستمرار في تقديم نفسها أمام المُجتمع الدَولي بصفة "الضحيّة" التي تتعرّض لهجمات من مُنظّمات مُسلّحة مُصنّفة "إرهابيّة" في المفهوم الغربي.رابعًا: إنّ إسرائيل لا ترغب بخُطاب فلسطيني مُعتدل يُمكن أن تستغلّه بعض الدول الفاعلة المُناهضة لها للتسويق جديًا لفكرة قيام دولتين مُستقلّتين، بل تُريد الإبقاء على الوضع القائم حاليًا لأطول فترة مُمكنة.
خامسًا: إنّ إسرائيل التي ستستقبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب في المُستقبل القريب، تضغط للحصول على موقف أميركي مُتقدّم بالنسبة إلى إعلان القُدس عاصمة لإسرائيل، وهي ترغب بالتالي بإبقاء أجواء التوتّر قائمة لتبرير هكذا إعلان.
سادسًا: إنّ إسرائيل تحرص على إظهار كيانها وكأنّه يتعرّض لتهديدات أمنيّة دائمة من المناطق المُحاذية والمحيطة، وذلك عبر آلاف الصواريخ ومئات الأنفاق، ولا مصلحة لديها في الإعتراف بسلميّة أيّ من أعدائها، خاصة وأنّها تُخطّط لقضم أكبر مساحة جغرافية مُمكنة في أي مفاوضات سلام مُحتملة، بحجّة وقف التهديدات الأمنيّة لسُكانها.
في الخلاصة، وبناء على ما تقدّم لا يبدو أنّ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي المُزمن قادم على فترة من الإيجابيّة في التعاطي، على الرغم من بعض المواقف والخطوات الخجولة في هذا الإتجاه، حيث أنّ الإتجاه العام هو لإبقاء الواقع القائم من دون تغيير في إنتظار وضوح خرائط كامل منطقة الشرق الأوسط، بدءًا بالخريطة السوريّة.