بالمقارنة حول مؤتمر أستانة المخصّص لحل الأزمة السورية كابتكار من جهة روسيا «عملياً» بجزءيه الثاني والثالث يتبين «فشل» الجزءين عنوة. فالثاني لم يتوصل لتفاهم بين الاطراف المتنازعة على الارض السورية بتبادل «تهم» من قبل الجهتين، مثل قول «المعارضة» إن روسيا لم تستطع تأمين ضمان موقف النظام، وقول النظام إن الفصائل المسلحة كذبت بشأن فصل الفصائل عن جبهة النصرة أما مؤتمر أستانة الثالث فقد فشل بعدم انعقاده برفضه من قبل المعارضة.
لكن للمؤتمر بجزءيه الأول والرابع أي المفترض عقدُه بالفترة المقبلة أوجه شبه واختلاف عن الثاني والثالث. وهو اختلاف أساسي بأمر واحد هو أن أستانة الأول انعقد عندما «انتهت» معركة حلب بفوز فريق النظام وحلفائه. وهو مفصّل بالأزمة السورية ومصيرها السياسي والعسكري معاً، وبعدما بدأت المعارك في إدلب بين الفصائل المسلحة وجبهة النصرة، أما استانة الرابع اليوم فهو يتزامن مع بدء معارك الغوطة الشرقية لدمشق بين جبهة النصرة والفصائل المسلحة «أحرار الشام» وغيرها.. فلماذا تسبق هذه المعارك مؤتمر التفاوض هذا؟ ولماذا الفشل في مؤتمري أستانة اثنين وثلاثة؟
نجاح أستانة الاول الذي حمل مبدأ المبادرة لطرح صيغة المؤتمر بعنوانه العريض جاء متسلّحاً أصلاً بانتصار الجيش السوري وروسيا في حلب. فبدا مسار المؤتمر «تلقائياً» نتيجة لتحوّل بموازين القوى، قرأته تركيا بأن عليها ان تتعامل مع روسيا وتتعاون بشكل وافر يتكفل بأن يحفظ لها موقعاً في الحل السوري. وهذا التعاون الذي اشترطته روسيا بعد فترة دقيقة من سوء العلاقات بين البلدين على خلفية اسقاط الطائرة الروسية على الحدود التركية تمثل بأن على تركيا الضغط على الفصائل التابعة لها لقتال جبهة النصرة من أجل ضمان دور بالعملية السياسية مستقبلاً، فيكون المنفذ الوحيد لحفظ تلك المكانة بعدما جوبهت الخطط التركية بحماية النصرة برفض روسي شامل للمقترحات كافة، فكان أن خرجت مواقف تؤكد عبر الفصائل المسلحة بتعليمة تركية توحي أنها «نعم» تقاتل ضد النصرة أمام روسيا حتى لحظة اكتشاف تركيا ان الولايات المتحدة الاميركية بمجيء ترامب ليست جاهزة للتعاون مع روسيا وأن إسرائيل والسعودية لا تزالان مستعدتين للتصعيد فتوقف مسار استانة. وعلى هذا الاساس بدا المؤتمر بصيغتيه الثانية والثالثة بمثابة رفع العتب.
عملياً، يستأنف الآن مسار أستانة بعد أن وضع مع نسختيه الثانية والثالثة، قيد الاختبار كل الفرضيات التي كان ينتظر الطرف التركي نتائجها وقدرتها على إحداث فارق على الأرض، وهي تتعلّق بالتصعيد «الإسرائيلي» داخل سورية ومعه الطرف السعودي بمحاولة لإعطاء فرصة قادرة على تعويض خسارة «حلب». فكانت عملية قصف مطار الشعيرات وعملية خان شيخون التي عرفت بالحادثة الكيميائية واستجلبت استنفاراً دولياً عاماً وضغوطاً شتى على روسيا، إضافة الى الغارة الإسرائيلية السابقة على نواحي تدمر التي تخطّت فيها «إسرائيل» الحدود المرسومة ضمن التنسيق المفترض مع روسيا جوياً بشكل متعمّد مروراً بأهم وأبرز العمليات التي قادها السعوديون مباشرة عبر اهتمام غير مسبوق لوزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان الذي حمل الى ترامب خطة الهجوم على دمشق عبر معارك القابون وجوبر. كل هذا لتصل الأطراف مجتمعة لتقول ان نتائج كل هذه الاختبارات والعمليات كشفت شيئاً واحداً فقط يُضاف الى فشلها، وهو أن روسيا لم «تهتز» سياسياً أو ميدانياً. وكذلك الأمر إيران وبقي قرار الحلف هو «التصعيد سيقابل بتصعيد».
مع أستانة الرابع «لا شيء عاد» من مكتسبات بعد كل تلك المحاولات لموازاة معركة سقوط حلب وتداعياتها، بل على العكس استرجع الجيش السوري كل المناطق التي تعرضت لهجومات ضمن هذا المخطط وأعاد الوضع اليوم لعشية انتصار حلب.
اليوم، عودة لاستعداد القوى الإقليمية لقتال النصرة عبر فصائلها على الأرض، في وقت كانت لزيارة وزير خارجية السعودية عادل الجبير لموسكو مطالب لإخراج حزب الله من سورية رفضتها «روسياَ» وقابلتها بمطلب روسي بأن تضغط السعودية ليكون جيش الإسلام ضمن الهدنة، فلا حلّ حسب الروس إذا لم يتم اتخاذ قرار قتال النصرة فتنازلت السعودية وبدت معارك الغوطة بين المسلحين والنصرة دليلاً قوياً.
الى استانة أربعة مع انكسار سعودي وتركي في خيارات رئيسية بعد أن فشل ما يعني أنه لا تزال المبادرة بيد السوري في الميدان. وحسب المعلومات أن كل جهد موضوع مؤخراً من قبل المعارضة في ريف حماه والشام خسّرها حوالي ستة آلاف قتيل من دون أن تتمكن من الحفاظ على نقطة واحدة من التي دخلتها بعد، رغم كل ما تسخّر من تزخيم حادثة الشعيرات وخان شيخون.
يأتي أستانة الرابع ليثبت وقف إطلاق النار، كما هو متوقع، حسب مصادر متابعة لـ«البناء» أي أن تعود الى ما كانت قد تعهّدت به في استانة «واحد» وترجمتها بمعارك مع النصرة، فيكون مؤتمراً «منتجاً» كما كان معداً بعد انتصار حلب. ويختم المصدر «امتصّت سورية عهد ترامب بعد اول مئة يوم من حكمه، وعادت لمرحلة الرئيس «اوباما «حيث زمان المبادرة بيد روسيا وسورية وحلفائهما في السياسة والميدان وإلا لكان قد مات مؤتمر استانة. فهو «مولود روسي» بالنهاية، وما كان الترقب للنسخة الرابعة منه اليوم، تماماً كما مات أستانة الثاني والثالث.