تتناقض صورة فلسطين في عيون النظام الرسمي مع انقضاء كلّ يوم. صيغ النفي كانت تأخذ وضعيتها اللغوية والنفسية والتاريخية على نحو قاسٍ ومرّ. حتى النظام الرسمي الفلسطيني بات مأخوذاً بالتحوّلات العالمية والإقليمية وبالضغوط العربية وتصرّف على مبدأ التراجع خير من الهزيمة الكاملة! صار هو بنفسه يريد التحرّر من أعباء القضية والدخول إلى «جنة التسوية» التي لم يعاين الشعب الفلسطيني منها إلا الجوع والحصار والاعتداءات المتكرّرة.
نسأل سؤالاً بسيطاً: لماذا هذا الانهزام والتشاؤم والدم العربي والفلسطيني لم ينضب بعد؟ ولكن لا إجابات بل صمت مدوّ وانكسار مذلّ. أمام هذا الواقع تذكّرنا مواقف الرئيس البطل العماد إميل لحود بما كان عليه الموقفان العربي والفلسطيني خلال القمم العربية. في قمة بيروت 2002 على سبيل المثال كان كلّ شيء يُعدّ للرضوخ والقبول بشروط الاستسلام «الإسرائيلية» في إطار ما سُمّي بمبادرة الأمير عبد الله الملك لاحقاً لولا الرئيس لحود وصلابته آنذاك لكانت النوازل على الشعب الفلسطيني أقسى وأخطر. عجيب أهل العروبة وأهل القضية كيف بدوا في حالة استتباع للإرادة الإميركية الصهيونية. انكشاف كامل للنيات والرغبات التي كانت تريد بيع فلسطين بأبخس الأثمان.
ظهرت الشعارات الثورية القديمة بلا حياة وكأنها على النقيض مع الواقع الذي يجب أن تكون فيه الدول العربية أكثر مرونة وأقلّ كرامة. هكذا هو المشروع والمخطط!
لم يرضََ العماد لحود أن يتمّ الاستسلام في عقر بلد الانتصار والمقاومة، فضلاً أنّ كلّ تراجع هو تخلّ عن الحقوق التي لا يستطيع أحد التفريط بها مهما أوتي من الحصانة الدولية والحماية المجتمعية من مؤيديه.
لم يسوّغ العماد لحود لنفسه هذا التصرف في حق عربي وفلسطيني. بات أميناً على القضية أكثر من أهلها. نعم يصعب تصديق ذلك لكن هذه هي الحقيقة. العماد لحود يدافع عن الحق والعرب والفلسطينيون يتنازلون!
في قمة بيروت 2002 مثال على تآكل صورة فلسطين عند الغالبية الساحقة من العرب. ولكن في المقلب الآخر مثال على إرادة شخص، وإيمان شخص لا يعترف بالعدو ولا يهادن على موقف ولا يتراجع أمام أي تهديد. واثق من خياراته. صلب في التزامه بمبادئه. مُباشر في الصراحة. لا يخاف ولا يلين ولا يكترث للتبعات حتى لو خسر المناصب والألقاب كلّها.
استذكار هذا الرئيس المقاوم أمر بالغ الأهمية خصوصاً أمام الموقف الشجاع للأسرى الفلسطينيين الذين لا يأبه لهم هذا النظام العربي المحتضر البائس، ولا هؤلاء الزعماء الغارقين حتى رؤوسهم في التبعية للولايات المتحدة الأميركية.
نعم. يمكن لنا من خلال نموذج الرئيس اللبناني والأسرى الفلسطينيين أن نصنع مجداً جديداً لهذه الأمة. فنحن لا ينقصنا كشعوب ثورة ودم وتضحية وفداء. نحن نحتاج إلى قيادات نبيلة وشريفة كالعماد لحود وأبطال كهؤلاء الأسرى يدأبون ويثابرون على استثمار كلّ لحظة لصناعة فجر جديد.
اليوم نحن أمام منعطف خطير على مستوى القضية الفلسطينية التي يُراد إنهاؤها. وللأسف بعض الأجنحة دخلت في مشروع التصفية حتى لو برّرت ذلك بالضغوط والظروف وانعدام البدائل والواقعية السياسية.
إنّ القبول بمبدأ التراجع أمام العدو مكّنه سابقاً من تضييع الكثير من الحقوق الفلسطينية. واليوم أيضاً إذا تعاملت القيادات الرسمية والحزبية الفلسطينية بهذه الذهنية فإنهم سيسمحون للكيان «الإسرائيلي» أن يتجذّر أكثر حتى يصل إلى ما يريد.
حلّ الدولتين، هو حلّ تفريطي بالحقوق، وهو تنازل سافر عن كامل التراب الفلسطيني الذي لا حقّ لأحد أن يتنازل عنه. إننا لو درسنا السياسات الخليجية لرأينا كيف سيطرت على العديد من الفصائل الفلسطينية على اختلاف مشاربها وهي الآن تأخذ القضية إلى النسيان.
إنّ أيّ تنازل عن حبّة تراب واحدة من تراب فلسطين هو حرام وانتحار. فلا تلقوا أيها الفلسطينيون بأيديكم إلى التهلكة وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيّاً وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيراً. وخذوا من نموذج العماد لحود والأسرى ما يجب أن يكون عليه مستقبلكم.