افتتاح مؤتمر الطاقة الاغترابية الرابع امس في قاعة البيال كان تظاهرة حقيقية حيث شارك فيه ألفي منتشر من 100 دولة . المشاركة متنوعة . منتشرون ولدوا في دول الاغتراب وأحبوا لبنان من جراء حب الوالدين له وما كانوا يروون لابنائهم عن الضيعة والاهل والذكريات وظروف المغادرة اما لسبب اقتصادي ولتحسين وضعهم المالي او هربا من ثورة كتلك التي وقعت في العام 1958 او من الحرب التي اندلعت في العام 1974 وأحدثت اكبر عملية تهجير في تاريخ لبنان الحديث او لمواقف سياسية ضد الاحتلال السوري كما حصل مع رئيس الجمهورية ميشال عون او الرئيس أمين الجميّل اوالكثيرين الذين سافروا الى البقاء الى الأميركيتين او الى اوستراليا او الى افريقيا وحديثا الى دول الخليج وأبرزها السعودية ودولة الاّمارات وقطر والقليل الى البحرين وسلطنة 'عمان . الفارق بين الانتشار في الدول العربية والانتشار الى القارات البعيدة هو ان الفئة الاولى عملت في دول مجلس التعاون الخليجي سعيا الى حياة أفضل، الا ان غالبية هؤلاء أبقوا على عائلاتهم في لبنان ليدرسوا في مدارسه الثانوية وفِي الجامعات فنشأت على الروح الوطنية والعادات وتكلم اللغة العربية والحفاظ على التقاليد . اما الفئة الثانية التي انتشرت في دول الأميركيتين الشمالية واللاتينية وأوستراليا انسلخوا عن الوطن وتربى اولادهم وفقا للنظم التربوية للدول التي يقطنونها وهم يعملون في شتى المجالات ويتكلمون لغاتها ويجهلون اللغة العربية وحتى اللهجة اللبنانية المتداولة . التقيت العشرات من هذه الفئة فمحدثك يتحدر من أصل لبناني ولغته مغايرة و تشعر انه من هذه البلدة او تلك وسكنته لبنانية لكنه يتكلم البرتغالية او الانكليزية لا سيما من يعيش في مكسيكو او البرازيل الولايات المتحدة الاميركية ويلكس بعض الكلمات العربية .
تجاوب المئات دعوات وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل التي وجهها لهم للمجيء الى بيروت للمشاركة في المؤتمر . سمعوا ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمته من محبة وعاطفة تجاههم واستمعوا ما ساقه من أسباب دفعت اهلهم او هم اضطروا الى المغادرة في مطلع السبعينات وارتاحوا لعاطفة الجنرال تجاههم وصفقوا له اكثر من مرة لا سيما عندما قال لهم اتفهم سبب ترك الوطن لكن لا تنفتشوا عن بديل له .
لمست التعلق بالوطن من خلال بعض اللقاءات التي أجريتها في قاعة البيال الكبرى فاجتمعت الى
السيدة Eva GhandouMoreu من بلدة رياق في قضاء زحلة متزوجة من طبيب فرنسي ولها منه أربعة اولاد. قررت ابنتها Diana المجيء الى لبنان وانتسبت الى الجامعة اللبنانية وتخصصت مهندسةarchitecte d interieurs وهي تعمل في اختصاصها لي بيروت ولا تريد العودة الى مرسيليا حيث ذويها .
وروت Eva ايضا ان لبنانيين من عائلة حايك من بيت شباب تَرَكُوا لبنان في العام 1908 الى اميركا هربا من الجوع ولدى وصول السفينة التي كانوا على متنها الى غيني تعطلت وأنزلوا منها وقيل لهم لا نستطيع إكمال الرحلة . توجهوا الى مرسيليا وبقوا فيها وتعمل Eva مع القنصلية اللبنانية على استعادة هؤلاء الجنسية اللبنانية . وروت ايضا انها كانت تجلس الى جانب لبناني هاجر الى ميشيغن منذ 60 عاما وجلس على نفس الطاولة لبناني اخر من مرسيليا وفيما كان باسيل يصافح الحضور جلس بعض الوقت الى جانبهم وتبين من خلال الأحاديث ان الرجلين هما قريبان وهما أبناء الخالة لم يلتقيا منذ وقت طويل ويجهلون الواحد الاخر مقر سكنه .
كما استمعوا الى باسيل المحرك الدائم لجمعهم وبذل كل ما هو متاح لجعلهم يتعلقون بالوطن الام سواء للذين غادروا وهم في عزّ شبابهم او للذين ولدوا في دول الاغتراب فتعلموا فيه ويعملون فيه. استمعوا الى دعوته لاستعادتهم الجنسية اللبنانية وعدد كبير بأسر المعاملات توصلا الى ذلك والى الاستثمار في لبنان والى ابقاء جسر للتواصل مع وطن الآباء والاجداد . الا انه تبين لي من خلال احاديث أجريتها مع عدد لا بأس به من هؤلاء انهم غير مستعدين للتخلي عن أعمالهم في الدول اللذين يعملون فيها وهم مرتاحون لما هم عليه . الا ان القلة من الأولاد تحمس وعاد الى بيروت وتعلم في جامعاتها ويعمل في شركاتها .
لا شك ان جولات باسيل على الجاليات اللبنانية في القارات حرّك شعورا وإحساسا بالوطن الام وجذب الكثير منهم اليه لكن العمل طويل وشاق ويستوجب انشاء مؤسسة متكاملة لوضع استراتيجية لاحياء الروح الوطنية في ملايين المغتربين المنتشرين في العالم بهدف ارساء اللبنانية في نفوسهم وجذبهم الى وطن الآباء والاجداد . اللبنانية ترجمة عن الفرنسية :