لم تمرّ المُقابلة الإعلامية الأخيرة لرئيس تيّار "المردة" النائب سليمان فرنجية على خير على مُستوى الإنعكاسات على العلاقة بين كل من "التيار الوطني الحُر" و"تيّار المردة"، حيث أعادت الإضاءة على الخلاف المُستحكم بين الطرفين بعيدًا عن الإعلام، لأكثر من سبب، مع التذكير أنّ أكثر من مُحاولة كانت جرت إثر إتمام الإنتخابات الرئاسيّة في الخريف الماضي لتقريب وجهات النظر بين الطرفين، من دون أن تنجح في ذلك. فما هي الأسباب وإلى أين يُمكن أن يقود هذا التباعد؟.
أوًلاً: نواة التباعد بين "التيار الوطني الحُر" و"تيّار المردة" كان موجودًا منذ سنوات طويلة، حتى عندما كان نوّاب "المردة" يُشاركون في إجتماعات تكتّل "التغيير والإصلاح" في إطار التحالف الواسع ضُمن قوى "8 آذار" السابقة، نتيجة مأخذ رئيس تيّار "المردة" على رئيس "التيّار الوطني الحُرّ" آنذاك العماد ميشال عون بأنّه لا يتعامل مع النائب فرنجية كزعيم حليف له وزنه ورأيه وشعبيّته.
ثانيًا: معركة رئاسة الجمهوريّة عام 2016 فرّقت تمامًا بين كل من رئيس الجمهورية المُنتخب ورئيس "تيّار المردة"، وضربت الثقة الشخصيّة بينهما، علمًا أنّ ذيول هذه المعركة لم تنته فُصولاً بعد، وقد فشلت كل مُحاولات التقريب مُجدّدًا بين الطرفين والتي قامت بها شخصيات مسيحيّة سياسيّة وروحيّة وازنة وأخرى من "حزب الله"، بفعل إعتبار الرئيس عون أنّ النائب فرنجية حاول-ومن حلف ظهره، الوُصول على حسابه إلى "قصر بعبدا"، في مُقابل إعتبار النائب فرنجيّة أنّ الرئيس عون أهدر فرصته المُحقّقة بالوصول إلى الرئاسة.
ثالثًا: سُقوط المصلحة المُشتركة التي كانت تجمع بين "التيّار الوطني الحُر" و"تيّار المردة"، بعد "إعلان النوايا" و"تفاهم معراب"، الأمر الذي جعل "المردة" في موقع المُتضرّر المُباشر من التفاهم "العَوني–القوّاتي"، خاصة وأنّ لحزب "القوّات اللبنانيّة" ثقلاً شعبيًا وازنًا في العديد من مناطق الشمال، وبالتالي إنّ من شأن أيّ تحالف إنتخابي بين "التيار الوطني الحُر" و"القوات اللبنانيّة" أن يُهدّد مُباشرة مصالح "تيّار المردة"، وبدرجات قد تصل إلى حد الإلغاء في بعض القوانين والتقسيمات الإنتخابية، خصوصًا في ظلّ مُحاولات "عَونيّة" علنيّة للتقرّب من رئيس "حركة الإستقلال" ميشال معوّض، وفي ظلّ كلام مُتزايد عن تحالف إنتخابي ثلاثي مُحتمل، قد يجمع بين كل من "البُرتقاليّين" و"القوّاتيّين" وأنصار معوّض بوجه لائحة فرنجيّة.
رابعًا: غياب التفاهم والإنسجام بين كل من رئيس "التيّار الوطني الحُر" جبران باسيل ورئيس "تيّار المردة"، وتنافسهما المُباشر في أكثر من ساحة وموقع، بدءًا بمواقع نيابيّة مُختلفة في منطقة الشمال، وُصولاً إلى موقع رئاسة الجمهوريّة الذي يتطلّع إليه كل منهما، ويُحاول من اليوم بناء الأسس التي تُساعد في رفع فرص الوُصول إلى هذا الهدف المُستقبلي الطموح، والتي تتراوح بين الفوز بالإنتخابات النيابية وفرض الزعامة في الساحة المسيحيّة من جهة، وتوسيع دائرة التحالفات الداخليّة لنيل تأييد أكبر مجموعة مُمكنة من القُوى والفاعليّات السياسيّة.
خامسًا: إعتبار النائب فرنجية أنّ طروحات الوزير باسيل بشأن قانون الإنتخابات النيابيّة تستهدف تحجيمه وحتى أنّها ترمي إلى إلغائه، في حين تُؤكّد مصادر فريق عمل وزير الخارجية والمُغتربين أنّ جمع دوائر زغرتا والبترون وبشرّي والكورة لا يستهدف أحدًا بل يدخل في سياق توحيد معايير التقسيمات الإداريّة في كل لبنان، باعتبار أنّه إمّا يجب ترك زغرتا وكل الدوائر الأخرى مُستقلّة، وإمّا دمج زغرتا مع إمتدادها المسيحي الطبيعي في حال جرى دمج الدوائر الإنتخابيّة في باقي المناطق، حيث أنّ من غير المنطقي إعتماد دوائر مُتوسّطة وحتى كبيرة في مختلف المناطق اللبنانيّة وترك زغرتا تُغرّد وحيدة، فقط لأنّ هذا الأمر يخدم مصالح أحد الأفرقاء السياسيّين!.
إشارة إلى أنّ هذه الخلافات والتباينات المُتراكمة وغير المُرشّحة للمُعالجة بشكل جذري في المُستقبل القريب، على الرغم من حرص بعض مسؤولي كل من "التيّار الوطني الحُر" و"تيّار المردة" على "عدم قطع شعرة معاوية" بين الطرفين، ستدفع بالنائب فرنجيّة أكثر فأكثر إلى المُطالبة بقانون إنتخابات بدوائر مُوسّعة وخارج القيد الطائفي بشكل يُؤمّن له الإستفادة من تحالفاته وإمتداداته السياسيّة ضُمنقوى "8 آذار" التقليديّة، وستدفع بالوزير باسيل إلى المُطالبة أكثر فأكثر بقانون إنتخابات يؤمّن إنتخاب النوّاب المسيحيّين بأصوات ناخبين مسيحيّين. والأكيد أنّ التباعد السياسي الحالي بين "الوطني الحُر" و"المردة"، والذي لا يزال غير حاد على مُستوى التراشق الإعلامي، سيتحوّل إلى صراع سياسي قاسٍ بين الطرفين، في حال وضَع القانون الإنتخابي المُقبل مصالح كل من "الحزبين" وجهًا لوجه–كما هو مُتوقّع، والأخطر في حال أسفرت نتائج هذه الإنتخابات عن إضعاف أو حتى عن هزيمة أحد رمزي هذا الصراع السياسي، أي الوزير باسيل أو النائب فرنجيّة، في عقر داره.