ما إن انتهت مفاوضات أستانة 4 بتوقيع اتفاق بأربع مناطق تخفيف التوتر لمدة 6 أشهر قابلة للتجديد في حال أدّت إلى نتائج، حتى بدأ الحديث عن صفقة روسية – أميركية لتقسيم سورية. صفقة دحضتها الحكومة السورية، فهناك دولتان (روسيا - إيران) من ثلاث دول ضامنة للمذكرة لن تسمحا بتجاوز "روحها" التي نصّت على وضع نهاية فورية للعنف وتحسين الحالة الإنسانية وتهيئة الظروف الملائمة للنهوض بالتسوية السياسية للنزاع. بالتالي ليست الوثيقة تقسيماً لسورية بقدر ما هي تكريس لوقائع جديدة تقطع الطريق على المناطق الآمنة الأميركية من جهة، وتكرّس الجمهورية الإسلامية كوسيط وتؤسّس لحرب داخلية بين الفصائل المسلحة.
وإذا كان من السابق لأوانه، الحديث عن نجاح تطبيق المذكرة الروسية حول مناطق تخفيف التصعيد، كما قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم أمس في مؤتمر صحافي، فإنّ ما حدث في أستانة بالجولة الأخيرة، بحسب ما يقول السفير السوري علي عبد الكريم علي، في حديث أجرته معه "البناء" يوم السبت الماضي، صورة من صور الحرب التي تواجهها سورية في المجال السياسي وتثمير جيد. فوحدة سورية والطريق إلى تحصين هذه الوحدة والتخلص من عناصر التهديد كلها؛ هذا ما تقوم به الدولة السورية قيادة وحكومة ومؤسسات مختلفة وفي مقدّمتها الجيش.
يُبدي السفير السوري تفاؤلاً، بخاصة أنّ الأصدقاء الروس أرادوا بهذه المبادرة التي تعاونت معها الدولة السورية، إلزام المجموعات التي لا تزال تحتمي بمسمّيات مختلفة ووراءها الدول المشغّلة، ومنها الدولة الشريكة بين الدول الضامنة (تركيا). عندما توضع هذه المجموعات على خط تخرج فيه من ارتهانها ومن تحالفها مع جبهة النصرة أو تنظيم داعش وعندما تفك علاقتها بجبهة النصرة وتلقي السلاح وتتجه باتجاه البحث عن حلّ، فهذا من شأنه، بحسب علي عبد الكريم، أن يشكل خطوة إيجابية. بمعنى أنّ المشغّلين سواء السعودي، التركي، "الإسرائيلي" والأوروبي والأميركي هم مضطرون للتجاوب مع الطرح الذي يقود إلى عملية سياسية تحترم إرادة السوريين.
ما جرى في أستانة هو ترجمة لاحترام الشعب السوري. فلولا تماسك المؤسسات والوحدة الوطنية وقوة الجيش وانتصاراته وصموده وردعه الهجمات الإرهابية باتجاه حماة وحلب ودمشق ودرعا وغيرها، لما كانت هذه الترجمة وغيرها من الترجمات. هذا ما يقرأه علي عبد الكريم علي. فالمشغلون يدركون أنهم خسروا رهاناتهم، حتى مجموعات النازحين التي خرج بعضها بفعل الخوف والإغراء، أدركت أية ورطة وقعت فيها. وبالتالي هؤلاء هم الآن في رصيد الدولة. هم الذين خرجوا في إدلب ضدّ المجموعات الإرهابية هم الذين يتذمّرون في المخيمات في غير مكان، لذلك كلّ هذا في رصيد القوة للدولة السورية وفي رصيد القوة أيضاً للمبادرة.
البحث عن توصيفات أو هواجس لما صدر عن أستانة بزعم البعض أنه صفقة أميركية – روسية، يستند إلى أوهام في أذهان أصحابها لا يُبنى عليها. فموسكو، بحسب السفير السوري، كانت متسقة مع ما أعلنته من التزام بالشرعية والحفاظ على الدولة السورية ورفض الاستسلام وكلّ معاني التهديد وفرض الأمر الواقع.
من يتابع سجل المواقف الروسية من بداية العدوان على سورية والمؤامرة ذات الأبعاد المتعدّدة يدرك صدقية مواقفها. فموسكو، يؤكد الدبلوماسي السوري، استخدمت بشكل متواتر حق النقض (الفيتو). دعمت الدولة السورية من دون مواربة، لكن ذلك لا يعني أنّ روسيا لا تفكّر بمنطق الدولة العظمى ذات المصالح. ونحن نتفهّم ذلك ولا نرى فيه تناقضاً مع احترام السيادة في سورية واحترام الحرص على أن يكون السوريون هم الذين يديرون الحوار بينهم. هذا ما طرحته القيادة السورية وطرحه الرئيس بشار الأسد فمن يعود إلى خطاباته ولقاءاته يدرك مدى الرؤية المستقبلية التي قرأها من الأيام الأولى للأزمة.
من راهن على إسقاط سورية (دول أصدقاء سورية كما سمّوا أنفسهم يومها) وصلوا إلى قناعة أنهم لا يستطيعون التعاطي مع سورية بما خطّطوا له. فهم يُدركون أيضاً أنّ سورية ستبقى موحّدة وأنّ مصلحة سورية (كما يدّعون الآن) الحفاظ عليها، بينما كانوا يقولون غير ذلك في البداية. هذه النتائج، واحدة من الترجمات التي ستتضح لاحقاً وسيفرضها الواقع على الأرض، يؤكد السفير علي عبد الكريم.
إنّ الحديث عن مناطق نفوذ في سورية تحت سيطرة حزب الله أو إيران أو روسيا مسمّيات يطلقها أعداء الشعب السوري. لا تقبل الدولة السورية والرئيس الأسد وكلّ مؤسسات الدولة، بحسب علي عبد الكريم علي، الانتقاص من سيادتها. وهذا ما تحافظ عليه الدولتان الصديقتان (روسيا وإيران)، وأول المقتنعين به جبهة المقاومة. فحزب الله أكثر حرصاً من السوريين على رفض أيّ معنى من معاني ما يُسمّى مناطق نفوذ. حزب الله يدافع عن نفسه، كما قال الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله ويدافع عن لبنان ويحصّن موقع المقاومة في وجه "إسرائيل"، لأنه يعرف ويدرك يقيناً أنّ إضعاف سورية كعاصمة وواسطة عقد لمحور المقاومة المقصود منه إلغاء المقاومة بوجهها السوري وبوجهها الفلسطيني وإلغاء المقاومة بوجهها اللبناني. حزب الله يدافع عن هذا الجوهر. جوهر عبّر عنه بعمق السيد نصر الله، لذلك لا توجد بقعة صغيرة أو كبيرة لا في حلب ولا في دمشق ولا في أيّ مكان من سورية تريد المقاومة أن تمارس فيها نوعاً من الهيمنة أو التغيير الديمغرافي. والجدير بالاعتراف يقول السفير السوري إنّ عناصر المقاومة بالذات لهم احترام كبير جداً في وجدان السوريين مواطنين ومسؤولين، لأنهم مارسوا انضباطية ومناقبية ومصداقية عالية في تنفيذ المهام والحفاظ على عدم المسّ بأيّ من قيم وثوابت المواطن السوري أو الدولة السورية أو القوانين السورية.
بعض المبادرات ليست نظيفة الغاية
وفي ضوء هذا المشهد، فإنّ المفاوضات من جنيف إلى أستانة دليل حيوية الدولة في ترحيبها بكلّ المبادرات، بمعنى أننا، كما يقول السفير السوري، نريد الوصول إلى حلّ سياسي يُفسح المجال فيه للسوريين أن يلتقوا مع بعضهم ومن دون عوائق أو ضغوط خارجية أو تأثير من القوى التي تملك السلاح والتأثير. ورغم إدراك الدولة السورية وأصدقاء سورية أنّ بعض الطروحات والمبادرات ليست نظيفة الغاية، لكنّ دمشق تريد أن تسدّ كلّ الذرائع فثقتها بجيشها ونفسها وبأنها منتصرة وتحقق الانتصارات تجعلها لا تُغلق الباب على أية مبادرة حتى لو كانت النتائج أحياناً متواضعة وأحياناً بلا نتائج.
سورية على يقين بأنّ المراهنين المتربّصين بها سيصلون إلى الحدّ الذي يتعبون به من الرهان. وهذا ما يحدث؛ يقول علي عبد الكريم. فالانتصارات ولو تحققت بنسب ليست كبيرة في أستانة أو جنيف إنما تكسب تخفيفاً لنزيف وتكسب ضعفاً في حجة المراهن وتكشفه وتعريه أمام الرأي العام في أوروبا، في أميركا، في بلدان الخليج، وفي تركيا. فالمعركة ليست فقط بين الجيش السوري وحلفائه من جهة، والمجموعات الإرهابية من جهة أخرى، المعركة تأخذ بُعداً إعلامياً وسياسياً في مخاطبة الرأي العام، لذلك نحن ننتصرعندما يكتشف الرأي العام التركي حجم الجريمة التي قامت بها حكومته ضدّ الشعب التركي من خلال العدوان الذي قادته وفتحت حدودها باتجاه الإرهابيين ليدخلوا سورية فخسروا شقيقاً وصديقاً وحليفاً هو الشعب السوري وخسروا أيضاً في الداخل التركي لأنّ الأذى أصاب المواطن التركي في اقتصاده وأمنه وفي المجالات كلها.
السوريون... والنَّفَس الطويل
تعلّم السوريون النفس الطويل، رغم الإجهاد والنزيف والوضع الاقتصادي الصعب، لكنهم في النصف الثاني الأفضل ويحققون الانتصارات ويحققون حصاراً للذي يحاصرهم. هذا ما يراه السفير علي عبد الكريم. فالقوى الإقليمية والدولية التي كانت معتدة بقوتها وبأنها تحاصر ومتحرّرة، هي الآن مرتبكة وبعضها محاصر وربما ستكون في الغد أكثر محاصرة وأضعف في الأذى أيضاً. ولذلك نحن لا نُهمل أيّ جانب نستطيع فيه تحقيق قوة، وانتصاراً ومصالحة في أية منطقة من سورية وإضعافاً لحجة العدو أو مشغله أو المستثمر في هذا العدو.
تواجه سورية عدواً متعدّدَ الجنسيات والأسلحة. عدواً لا يخشى الله. لا يحسب حساباً لأية معايير أو قيم أو نواميس إنسانية أو دينية. لذلك لها الحق، بحسب سفيرها في لبنان، أن "تكون حذرة وتأخذ بعين الاعتبار التهديدات "الإسرائيلية" وتتنبّه وتُعدّ العدّة بقدر ما تستطيع. لكنّها في الوقت نفسه ترى أنّ إمكانية العدوان "الإسرائيلي" أقلّ، وإنْ كانت لا تسقط إمكانية أن يقوم العدو بمغامرة، كمغامرة الإدارة الأميركية الجديدة في عدوانها على مطار الشعيرات بذريعة أضعفت هذه الإدارة بدلاً من أن تقوّيها. وبالتالي "إسرائيل" ستكون الخاسر الأكبر.
ولذلك، فإنّ ما جرى في خان شيخون بات أقرب إلى الوضوح الكامل لدى الرأي العام أنه لعبة مفبركة مركبة. يجزم السفير السوري. فالاستثمار بها لضرب مطار الشعيرات أفقد الإدارة الأميركية الصدقية التي كانت تريد أن تستعيد لها بعض الهيبة وخسرت فيها ولم تربح. فالحوار بين الروسي والأميركي المباشر وغير المباشر الذي تلا الضربة، كان لصالح تقوية الحليف الروسي وتقوية الحجة السورية والرأي العام السوري وتصليب موقفه وتصميم الجيش السوري وحلفائه وإضعاف معنويات الإرهابيين الذين كانوا يبنون أحلاماً وآمالاً كبيرة بأنّ الجيش السوري ستضعف معنوياته.
إنّ التنسيق بين قيادات الدول الثلاث العسكرية (سورية، إيران، روسيا) ثابت ومستمرّ. لكن سورية لم تقُل، بحسب سفيرها في لبنان، إنها ستفتح حرباً شاملة. لا "إسرائيل" تريدها ولا أميركا. لكن الأكيد بحسب علي عبد الكريم أنّ دولته تواجه إرهاباً متعدّد الجنسيات مدعوماً من كيان العدو ومحمياً منه بتواطؤ إقليمي من خلال إلباسه أقنعة متعدّدة بقيادة أميركية. وهذا ليس خافياً على أحد، وتصدّي وسائط الدفاع الجوي السوري لطائرات للعدو "الإسرائيلي" كان رسالة واضحة الدلالة وهو بمثابة إرباك لـ "إسرائيل" وأميركا.
ما يجري من مخططات وتهديدات بغطاء أميركي أردني "إسرائيلي"، تأخذه سورية، بعين الاعتبار، والردود عليه تتمّ كلّ يوم. يقول علي عبد الكريم. فإفشال إقامة مناطق معينة يستولدون فيها ويستنسخون تجربة أنطوان لحد وسعد حداد وصدّها الهجومات "الإسرائيلية" وإفشال كلّ الهجومات والتحشيد باتجاه القابون، درعا، القنيطرة وإحباط الهجوم على حماة، وتكبيد المجموعات الإرهابية خسائر ضخمة، كلّ ذلك إحباط للعدوان الأميركي – "الإسرائيلي". لذلك فإنّ اضطرار بعض الدول للشراكة في التوقيع على ما اتفق عليه في أستانة شكل مخرجاً يحفظ لها ماء الوجه، كي يُقال إنها لا تتبنّى النصرة وداعش.
جاهزية كاملة للمقاومة في لبنان
وفي سياق متصل، رأت سورية، بحسب سفيرها في لبنان، بجولة حزب الله للإعلاميين في الجنوب تعبيراً عن جاهزية كاملة للمقاومة في لبنان، لا سيما أنّ "الإسرائيلي" قرأها أنها ردّ على التهديدات وردّ على العقوبات التي يهدّد بها والأميركي معاً للنيل من صمود لبنان وتماسكه وتماسك مقاومته. ويشير السفير السوري إلى أنّ الجولة تعبير عن رسائل للعالم كله أنّ هذه المقاومة التي لها حضور وفعالية في مواجهة الإرهاب داخل سورية هي في مواجهة الإرهاب "الإسرائيلي" المشغل للإرهاب الآخر التكفيري، هي بالجاهزية نفسها وتملك القوة في المكانين معاً خاصة أنها محاطة بحاضنة شعبية وصحو كامل. ولذلك رأينا كيف تلقف "الإسرائيلي" رسالة المقاومة بدلالتها الكبيرة ومعانيها. فهو كان يفهمها حتى قبل أن تصله؛ لكن الجولة، بحسب علي عبد الكريم، جاءت لزيادة الدلالة ولإزاحة الغشاوة عن أية عيون كانت تريد تضليل الرأي العام وخداعه بغير الحقيقة بقوة المقاومة وجاهزيتها واحترامها لسيادة لبنان ورفض أية دلالة تريد "إسرائيل" تسريبها أو فرضها على الواقع اللبناني لتخويفه وهزّ صورة المقاومة في وجدان الشعب اللبناني.
الأكيد، بحسب السفير السوري، أنّ الجانب "الإسرائيلي" هو مَن ينتهك القرار 1701، لكن للأسف هناك مَن يُغمض عينيه عن انتهاكاته ويُسمّي سلوك المقاومة الطبيعي ضمن أرض ذات سيادة ودولة ذات سيادة على أرضها بأنه خرق، بيْد أنّ الزيارة طبيعية داخل الأراضي اللبنانية، لكنها تحمل هذه الرسالة التي فهمها "الإسرائيلي" والأميركي ومَن رهن نفسه لخدمة هذين المشروعين أيضاً.
المواطَنة تحمي لبنان والمقاومة وتردع "إسرائيل"
وفيما كثر الكلام عن ظاهرة الطائفية في سورية مع دخول الأزمة عامها السابع، يدحض السفير علي عبد الكريم هذا الكلام. يقول: الكلام الطائفي لا يشبه سورية التي ستبقى صورة للعيش المشترك والوحدة الوطنية. فالمواطن السوري أكثر مناعة ويخجل عندما يُسأل عن طائفته، وإن كان التديّن عنصراً قوياً للسلام الداخلي. فمَن يخَف الله يخَف على وطنه. إن سورية أبرأ دول المنطقة من الشعور الطائفي البغيض الذي يجب أن يخرج منه الجميع لأجل الجميع. فلبنان مثلاً بحاجة لتكون المواطنة هي العنوان فيه، لأنّ المواطنة تحميه وتحمي المقاومة وتردع "إسرائيل" صاحبة المصلحة الكبرى في تفكيك المنطقة على أسس مذهبية وطائفية.
تتفاءل سورية بمناعة المقاومة وجهوزيتها وبالحسّ الوطني لدى نسبة كبيرة من اللبنانيين. تتفاءل بدور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بتكريس معنى المواطنة ودور لبنان الذي يفخر بالمقاومة. يقول السفير علي عبد الكريم علي. فهناك قوى وطنية غيورة وفاعلة يتقدّمها حزب الله، تتمسك بنظام النسبية وبالوطنية والمعيار الوطني الواحد. يتحدث السفير السوري عما سمعه من الرئيس عون مراراً قبل وصوله إلى سدة الرئاسة وبعد وصوله أنه متمسك بالسيادة والوطنية وبمعنى العروبة والعلاقة العميقة السورية – اللبنانية. فهو يتابع ما يجري على الجبهات في مواجهة الإرهاب ويعتبر أنّ انتصار سورية هو قوة للبنان وقوة للمنطقة. لذلك يبني السفير السوري على تفاؤله ثقة بأنّ المستقبل للبنان وسورية وللمقاومة وفلسطين، مشيداً بما قاله الرئيس عون في قمة عمّان حيث كان صوتاً نافراً ومغايراً للأصوات الأخرى.
لا يدخل السفير علي عبد الكريم في تفاصيل عدم زيارة الرئيس عون لسورية التي لم تحصل حتى الساعة، لكنه يقول إنّ الموفد الرئاسي السوري أول مَن هنأ الرئيس وأنّ اتصالاً حصل بين الرئيسين الأسد وعون. وقد تكون هناك اتصالات غير مطلع عليها، لا أدري، لكنني على إدراك ومعرفة بعمق العلاقة والاحترام وحرص القيادتين على نجاح كلتيهما. ويشير إلى أننا نحرص على العلاقة الأخوية مع لبنان ونتحاشى الحديث عن أية نقطة قد تشكل عنصر تأزيم في العلاقة بين البلدين، صحيح أنّ هناك انقساماً في لبنان تجاه ما يجري في سورية، لكن حتى الذين يطلقون أصواتاً مغايرة لمآرب وحسابات، يعلمون أنّ محاربة سورية للإرهاب مصلحة للبنان كما هي مصلحة لسورية، فليس كل ما يُصرّح به البعض هو الموقف الحقيقي الضمني الذي يقوله لنفسه.
وعن آفاق العلاقة مع رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط، يقول علي عبد الكريم: نحن مع الدولة اللبنانية إذا راجعت نفسها وصوّبت موقفها مع سورية. لذلك نحن نعوّل على الرئيس عون لتصويب هذه العلاقة من أجل لبنان قبل سورية، فمن مصلحة البلدين التنسيق بينهما، وليس لبنان أقلّ حاجة لهذا التنسيق من سورية.
يبقى أنّ سورية، بحسب علي عبد الكريم، هي الدولة الأَوْلى في أن تناقش بأزمة النازحين التي هي مشكلة تفوق طاقة لبنان على تحمّلها. يجب تشخيص هذه المشكلة ومعالجتها بين المؤسسات في كلتا الدولتين، فبعض النازحين تمّ استقدامهم وإغراؤهم لغايات لا يجهلها مَن يريد كشف الحقيقة. فهناك قوى أجنبية ضغطت وموّلت واستثمرت في هذا الجانب لا لمصلحة النازحين وإنعاشهم ومساعدتهم. ويلفت السفير السوري، إلى أنّ الارتباك الحاصل في التعاطي مع هذا الملف يجب أن يخرج منه المعنيون في مراتب المسؤولية كلها. فالخط القريب الذي يوصل إلى الحقيقة ويوفر التعاون المنتج، يكمن في التنسيق بين الدولتين، صحيح أن لا حلول سحرية جاهزة، لكن حتى الحلول غير السحرية هي متيسّرة بين الدولتين، مشدّداً على أنّ ملف المسلحين الموجودين في لبنان يناقش عندما يجلس المعنيون إلى طاولة واحدة.
لبنان لن يصل إلى الفراغ
وعلى خط الانتخابات النيابية، يؤكد السفير السوري أنّ الفراغ في المجلس النيابي ليس في مصلحة أحد. وهذا ما يقوله كلّ الغيورين في لبنان و"انشالله لن يصل لبنان إلى الفراغ". ما سمعته من كلام بعضُه معلن وبعضُه في جلسات خاصة، يؤكد الحرص على إقرار قانون يراعي المعايير الوطنية ويجنّب لبنان المزالق، متوقفاً عند التحذير الذي أطلقه السيد نصر الله من عدم الوصول إلى حافة الهاوية، والتقى معه كلّ الغيورين وعلى رأسهم فخامة الرئيس عون.