ما الذي دفع الاسرائيليين للاعلان عن قرب بناء جدار فاصل على الحدود مع لبنان؟ سؤال راود الكثيرين. منهم من اعتبر انه جدار دفاعي "ليحمي من المتسللين من لبنان"، ومنهم من رأى انه تحضير لاعتداء اسرائيلي جديد على لبنان في ظل ارتفاع نسبة الحديث عن هذا الامر في الآونة الاخيرة، رغم كل المؤشرات الأخرى التي تحيط بالمنطقة عن قرب البدء بخطوات ملموسة لمشروع الحل النهائي.
من حق اللبنانيين ان يتساءلوا ويتخوّفوا من النوايا الاسرائيلية التي لم تثبت سوى انها خبيثة وتهدف الى تقويض الاستقرار اللبناني، ومن حقّهم ايضاً ان يعملوا على تقصّي الحقيقة عن الموضوع لانه يعنيهم بشكل مباشر. ولكن حتى اتّضاح الصورة الحقيقية للموضوع، لا بد من طرح بعض الافكار:
-إنّ اعتبار اسرائيل ان الجدار هو حاجة لوقف المتسللين او من تصفهم بـ"الارهابيين"، لا يمت الى المنطق بصلة. فمن ناحية التسلل، وعدا عن بعض الحالات التي لا تتعدى عدد اصابع اليد الواحدة، لم يحصل تسلل من لبنان الى اسرائيل من مدنيين سوى حفنة قليلة وليس طلباً للجوء السياسي او الاقامة هناك، وسرعان ما كانت تتم اعادتهم عبر قوات "اليونيفيل". اما القول ان الجدار سيمنع تسلل "الارهابيين"، فإن كل التقارير الاسرائيلية العسكرية منها والاعلامية، تفيد ان حزب الله قادر على اختراق الحدود والوصول الى الجبهة الداخلية الاسرائيلية ليس من فوق الأرض فقط انما من تحتها عبر انفاق او وسائل اخرى. واذا صحت هذه المعلومات، فإن الجدار سيكون دون قيمة فعلية.
-قد ينفع الجدار الاسرائيلي مع مصر والاردن لانهما مرتبطان بمعاهدة مع اسرائيل، وبالتالي فإنه قد يمنع حصول تسلّل من قبلهما الى هناك. ومن مصلحة اسرائيل بالفعل ان تقوم بهذا العمل هناك، ولكن ما هي مصلحتها باقامة الجدار مع لبنان؟. الفكرة الأكثر قرباً للمنطق هي انها ستمنع حزب الله والجيش من معاينة ما تقوم به من اجراءات عبر الحدود، وستحد من مراقبة تحركاتها خوفاً من أي عمليات يمكن القيام بها في حال حصول اي مواجهة. وعليه، تستغل اسرائيل التفوق الفضائي لمصلحتها في هذا الشأن من خلال المراقبة الجوية للاراضي اللبنانية أكان للمناطق الحدودية او للعمق، والتي يفتقد اليها لبنان بطبيعة الحال، في ظل عدم توافر الاجهزة والامكانات التقنية لذلك والتي من المؤكد ان الغرب يضع "فيتو" عليها. فحتى الطائرات دون طيار التي باتت متوافرة في لبنان (بعددٍ قليل جداً)، لا يمكنها الوصول الى مشارف المناطق الحدودية.
-كيف سيفيد الجدار عند حصول العمليات العسكرية؟ فهو سيكون عائقاً بالنسبة الى الجهتين، وسيكون أول "ضحية" للمواجهات، واذا كانت العوائق وحقول الالغام والاستراتيجيات الموضوعة لمنع الوصول الى اي جهة من الطرفين، غير كافية فكيف سيشكّل الجدار الحل المنشود؟.
غالباً ما يكون بناء الجدران على الحدود غير الساخنة، وتلك التي تمتد مساحاتها لأميال طويلة ولا يمكن مراقبتها بشكل دقيق. اما الوضع مع لبنان فمغاير تماماً، وبالتالي فإن بناء الجدار قد يعني، وفق القراءات، أمراً مغايراً تماماً لما يتم التداول به، وهو ان اسرائيل بدأت تعدّ العدة لمرحلة ما بعد الاتفاقات والتسويات، وانها تعمد بذلك الى "تأمين" حدودها في المستقبل، في ظل توقف العمليات العسكريّة واعتبار المنطقة تحت مظلة "وقف اطلاق النار" الذي سيسود حتماً في مرحلة لاحقة، وسيكون بديلاً عن "وقف العمليات العسكرية" الذي نص عليه القرار 1701.
وانطلاقاً مما سبق، واذا كان الجدار "فاشل" عسكرياً، فإن الغرض منه ان يكون "ناجحاً" في المرحلة اللاحقة، فهل سينعكس وجوده ايجاباً على لبنان؟.