لا يبدو أنّ الذكرى السنوية الأولى لاغتيال القيادي في حزب الله السيد مصطفى بدر الدين ذكرى معنية بجمهور حزب الله الذي بات عليه أن يعدَّ شهداءه في سورية، كما أرادت «إسرائيل» باغتيالها أكثر من قيادي على الأرض السورية مستغلة اشتعال الجبهات هناك، بل بدا أنّ «إسرائيل» كانت مهتمة أكثر بمتابعة نشاط هذه الذكرى ومتابعة التقارير التي بثتها قناة المنار وما قدّمه الإعلام الحربي لأول مرة من مشاهد خاصة بصاحب الذكرى.
بدا السيد مصطفى بدر الدين قيادياً استثنائياً من عمر وتاريخ المقاومة. وما بثته قناة المنار حكى الكثير عن هالة بدر الدين وحضوره في صفوف المقاتلين والحزبيين. وعلى ما يبدو أن متابعة «إسرائيل» للذكرى كانت تنطلق من فكرة اساسية وهي تشويه صورة شهداء حزب الله بعيون الجيل من المقاتلين الجدد الذين تأثروا بعماد مغنية وغيره من قادة حزب الله الذين اغتالتهم «إسرائيل». المفارقة هنا ان حقائق لا تزال تتوالى عن حياة بدر الدين وأدواره يوماً بعد آخر. ويبدو أنه لم يكن رقماً عادياً بحساب الاستخبارات «الإسرائيلية»، وأنّ حسابه كان كبيراً أبعد من مسألة الأزمة السورية بكثير والتي بدت هنا إحدى الفرص التي استغلتها الاستخبارات «الإسرائيلية» لتنفيذ هذا النوع من التصفيات، ولهذا حكي عن استدراج حزب الله لمعارك سورية في بعض التقارير كنقطة تصبّ في مصلحة «إسرائيل» التي تنظر لمصيرها كملف متكامل مع حركات المقاومة أبعد من أن يشكل تفشي الارهاب والتطرف على حدودها مأزقاً يحتاج لحلول. فهي تدرك أن السيطرة على داعش وزميلاتها ممكنة أمنياً واستخبارياً. وقد خبرت أمناً استثنائياً بغياب أي خرق لداعش للأراضي المحتلة مع توالي تصريحات المسؤولين في تل أبيب عن صداقة بينهم وبين مجموعات تكفيرية مثل النصرة خصوصاً من جهة الجنوب.
لم يرتبط مصطفى بدر الدين بالأزمة السورية بمقدار ما كان مرتبطاً بمشروع تصفية قديم، وجهد بذلته الاستخبارات الأميركية للنيل منه بالوسائل الممكنة. وهنا عودة لاتهامه بقتل الرئيس رفيق الحريري واعتباره أحد أهم المشتبه بهم. وكان على حزب الله أن يطلق موقفاً واضحاً حينها، فأعلن ذات يوم امين عام حزب الله عن اعتبار الأسماء المذكورة غير معنية بما تطلبه المحكمة. فهذه الأسماء تمثل قدسية قتال ودفتر بطولات طويلة، فكان على اللبنانيين أن يتعاملوا مع اسم بدر الدين كاسم معلوم لشخص «مجهول» المكان والحركة وشخصية غامضة لا يمكن الوصول إليها، لكنه يعرف مسبقاً أنه أحد كبار القادة والذي لم يكن يدرك ذلك أدرك من خلال مطالبة المحكمة الدولية بمثوله أمامها مع زملائه.
«إسرائيل» التي تابعت خطاب نصرالله بتفاصيله حضرت لتستكمل ايضا ملف تشويه الرمزية التي يقوم عليها إرث بدرالدين النفسي والمعنوي، فعملت منذ أسابيع قليلة من تاريخ الذكرى وبالتعاون مع جهات عربية ببث تقارير تتحدّث عن مسؤولية إيران عن «مقتل» السيد بدر الدين في سورية، برواية قوامها أن ايران وعبر القائد العسكري قاسم سليماني أُمرت بتصفية السيد بدر الدين استناداً للقاء أخير معه سبق استشهاده. فكانت حملة إعلامية مكثفة لإعادة التذكير بهذا اللقاء وبهذه الفرضية التي تتكفّل بالمنطوق «الإسرائيلي» ببث القلق بصفوف حزب الله وزرع الشكوك تجاه إيران. وهي مقاربة ركيكة لمن يعرف عقلية حزب الله وعناصره العقائديين جيداً. وهنا ردّ أمين عام حزب الله بالخطاب المخصص لإحياء ذكرى بدر الدين بأنه لم يسبق أن كان الحلف متماسكاً كاليوم الذي نحن عليه وأي رواية من هذا النوع لا تلقى آذاناً صاغية فلا سورية الأرض التي استشهد عليها السيد بدر الدين فرطت به ولا إيران أمرت ولا حزب الله «غُدِرَ» في سورية.
مصطفى بدر الدين الذي أربك «إسرائيل» حياً كان قد شغلها ليلة امس، بشكل واضح. وهو يبدو انه لا يزال مادة دسمة تتعلق باستخدام اسمه في حملة تشويه صورة حزب الله وتعاطيه مع شهدائه. وهو المعروف عنه أنه يهتم كثيراً لذكراهم ويحرص على إبقائهم نماذج حية في قلوب الأجيال الجديدة، فبدت «إسرائيل» قلقة من مسألة أساسية قوامها ان تصفية قيادات حزب الله لا تخلّصها من أطياف أفكارهم بل يبدو أنه وفي كل مرة يتم استهداف أحدهم يرتقي لرتبة أيقونة عند أولئك الحزبيين والمقاتلين.
هذا الضعف أخذ بـ«إسرائيل» نحو اللجوء الى خرق الشبكة الًرضية للهواتف اللبنانية. وهو غالباً سهل «الخرق» لترهيب الناس بالتزامن مع خطاب نصر الله عبر اتصالات هاتفية مبعثرة – على شكل تسجيل صوتي – طال عدداً من اللبنانيين باسم العلاقات الإعلامية لحزب الله، فيه التالي «قاتل شهيدنا يلقي خطابه الآن أمامكم».
اتهام نصرالله بتصفية قياداته وتنفيذ أوامر إيرانية يندرج ضمن منطق تشويه السمعة القديم الجديد، وخرق الشبكة اللبنانية تزامن مع إعلان نصرالله سقوط مشروع «إسرائيل الكبرى» واعترافها بهزيمة ومشاريعها وأطماعها في المنطقة بمجرد شروعها ببناء جدار على طول الحدود اللبنانية.
كلام مستفز أثار الجبهة «الإسرائيلية» التي باتت واقعة ما بين أولوية الأمن بعد حوادث التسلل داخل الأرض المحتلة وبين عدم إعطاء حزب الله حجة الالتفات إلى إجراءات «إسرائيلية» تنمّ عن ضعف وترقب وهو الذي استفزها أكثر من مرة وآخرها في جولة إعلامية – عسكرية خارج حدود القرار 1701.
«إسرائيل» تبني الجدار، كأفعى تلتفّ حول نفسها حتى الاحتضار.