لعلّ العنوان الراهن في الصراعات الأممية هو: دونالد ترامب يتخبّط في سياسته الداخلية ويتسابق مع بشار الأسد للوصول قبله للحدود العراقية.
في أميركا أقدم ترامب، عشيةَ زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لواشنطن، على إقالة مدير مكتب التحقيقات الفدرالي جيمس كومي. هل ثمة علاقة بين إقالة كومي وزيارة لافروف؟ ليس بالضرورة. الأرجح أن السبب الرئيس هو قيام كومي بمطالبة وزارة العدل الأميركية بتزويده وسائل وتسهيلات أفعل لتوسيع تحقيقاته في اتصالات مشبوهة جرت بين أركان فريق ترامب وروسيا قبل معركة الرئاسة الأميركية بقصد دعمه في وجه منافسته هيلاري كلينتون.
صحيح أنّ كومي طلب، قبل 11 يوماً من بدء انتخابات الرئاسة، التوسّع في التحقيقات حول استعمال هيلاري كلينتون موقعها الالكتروني الخاص بعيداً من وزارة الخارجية أثناء توليها مسؤوليتها ما أدّى الى تقليص مؤيديها، لكن كومي لم يتقاعس أيضاً في تحقيقاته الجارية لمعرفة طبيعة الاتصالات التي أجراها اركان حملة ترامب مع روسيا، وما اذا كانت أساءت الى الأمن القومي الأميركي. باختصار، كومي كان متوازناً في عمله.
الخوف من تحقيقات كومي واحتمال أن تتوصل الى حقائق من شأنها الإساءة الى ترامب ومكانته وسلطته بعدما أصبح رئيساً هو، على الأرجح، السبب الذي حمل الرئيس الأميركي على إقالة كومي لكونه المشرف الأول على التحقيقات التي تمسّ جماعته، وذلك لقطع الطريق على ما يمكن ان تتوصّل اليه من حقائق وتفادياً لكشفها على الملأ.
الضجة التي أثارتها إقالة كومي وملابساتها لم تمنع ترامب، رغم تخبّطه المتواصل في قضاياه الداخلية، من محاولة إقناع ضيفه لافروف بأن تقوم روسيا «بكبح جماح إيران وسورية». اين؟ في سورية نفسها، كما في العراق وسائر أنحاء الإقليم.
كبحُ جماح إيران وسورية يعني، في الواقع، منع جيش الأسد وحلفائه من استعادة محافظة دير الزور من «داعش»، كما منع الجيش السوري وحلفائه من التوجّه الى الحدود مع العراق لتحريرها من «داعش» وضمان إقامة تواصل جغرافي آمن بين البلدين وتالياً مع إيران. بكلام آخر، ثمة سباق بين الأسد وترامب على مَن يصل أولاً الى الحدود مع العراق. ترامب يريد أن يصل اولاً لمنع فتح الحدود بين البلدين تفادياً لترسيخ التعاون بينهما في محاربة «داعش»، ولمحاولة إقامة كيان إسفين بينهما يحول دون تواصلهما الجغرافي مع إيران بينما يريد الأسد، بدعم سخي من إيران وروسيا، تحرير مناطق الحدود بين البلدين تعزيزاً لأواصر التحالف والتعاون بين القوى التي تشكّل محور المقاومة: سورية وإيران وحزب الله وتنظيمات المقاومة الفلسطينية.
إلى ذلك، لا يكتفي ترامب بمجابهة إيران ومحور المقاومة في بلاد الشام، بل يريد أيضاً تعزيز المحور المضاد، محور المحافظة، الذي تتزعّمه السعودية ويضمّ الأردن وبعض دول الخليج ويتطلّع إلى ضمّ دول إسلامية أخرى في آسيا وأفريقيا. في هذا السياق، يعتزم ترامب زيارة السعودية، مفتتحاً نشاطه السياسي الخارجي بزيارة عالم الإسلام، تماماً كما فعل سلفه باراك أوباما الذي افتتح نشاطه الخارجي بزيارة تركيا ثم مصر.
ليس من شك في أنّ عالم الإسلام يضجّ في الحاضر والأرجح في المستقبل المنظور أيضاً، بأكثر قضايا العالم المعاصر حساسية وأهمية. ولئن كان ترامب منغمساً وبالتالي منشغلاً بقضاياه ومتاعبه الداخلية، فإنه يجد نفسه مضطراً الى إعطاء قضايا عالم الإسلام أولوية في سياسته الخارجية. مردُّ ذلك الى أسباب عدة، جيوسياسية واقتصادية. فروسيا التي نهضت من كبوتها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، عادت الى منافسة الولايات المتحدة على مسرح السياسة الدولية وأخذت تنكر عليها وحدانيتها القطبية وتزاحمها على الموارد والأسواق. تجلّى ذلك في تدخلها السافر في أوكرانيا ودورها المحوري في الحرب الدائرة في سورية وعليها.
الى ذلك، فإنّ «إسرائيل» التي تعتبرها واشنطن جزءاً من الأمن القومي الأميركي، تنشط إقليمياً على نحوٍ يؤثر في مصالح دول الإقليم المتحالفة مع أميركا ما يستدعي مراعاتها ودعمها في حمأة الصراع مع أعدائها.
ثم أنّ صعود إيران، سياسياً وعسكرياً، وتأثيرها المباشر في جوارها الجيوسياسي الممتدّ من شواطئ بحر قزوين شمالاً الى شواطئ البحر المتوسط جنوباً، يحمل الولايات المتحدة على التحرك لدعم حلفائها الإقليميين، ولا سيما «إسرائيل» ودول الخليج، التي ترى في إيران تهديداً لمصالحها ونفوذها وحتى لكياناتها السياسية. في هذا السياق، تتعاطف واشنطن مع قيام محور المحافظة بقيادة السعودية للحفاظ على مصالح حلفائها الإقليميين من جهة ولمساعدتها في مجابهة إيران من جهة أخرى. لذلك تتزامن زيارة ترامب المقبلة للسعودية مع مبادرة الرياض الى تعزيز محور المحافظة بالدعوة الى عقد قمة في 21 الشهر الحالي تجمع دولاً عربية وأخرى إسلامية في آسيا وأفريقيا هدفها الرئيس تنسيق الجهود مع الولايات المتحدة لمجابهة إيران ونشاطها ونفوذها المتوسّع في العراق وسورية واليمن.
في سعيه لكبح سورية ومنعها من الوصول قبله لحدودها مع العراق، قام ترامب بتدبيرين لافتين: الأول تزويد «قوات سورية الديمقراطية» الكردية بمزيد من الأسلحة النوعية الثقيلة بدعوى مساعدتها على محاربة «داعش» واقتلاعه من الرقة، والثاني تسليط الأضواء على مناورات «الأسد المتأهب» في الأردن على مقربة من الحدود مع سورية بقصد الإيحاء باحتمال تدخلها عبر قوات مؤلفة من عناصر وعشائر مناوئة لـِ «داعش» بقصد الاندفاع باتجاه موقع التنف الحدودي العراقي ومن ثم التوجّه الى محافظة دير الزور للالتقاء مع قوات الأكراد السوريين الموالين لها وإحكام السيطرة تالياً على مناطق الحدود بين سورية والعراق.
موسكو أخذت علماً خلال زيارة لافروف لواشنطن بكل ما ينتوي الأميركيون فعله وما لا يستطيعون في سورية، وردّت بأن عززت دعم سورية سياسياً وعسكرياً، ومثلها فعلت طهران ما يؤكد تقدير بعض الخبراء الاستراتيجيين بأن موازين القوى في سورية اخذت تميل نحو محور المقاومة، وأن آخر الأدلة اتصال وزير الخارجية الاردني ايمن الصفدي بلافروف ليؤكد له أن بلاده لا تريد منظمات إرهابية ولا ميليشيات مذهبية على حدودها، وأن وقف القتال يجب أن يكون أولوية، وأنها «تدعم حلاً يحفظ وحدة تراب سورية وتماسكها واستقلالية قرارها».