أكثر ما يقلقني ويؤلمني في أغلب تساؤلاتي العميقة عن سبل الحفاظ على وجودنا التاريخي الطرابلسي القديم هو: كيف يمكننا نحن الأقلية العلوية أن يكون بيننا وبين إخواننا السنة الكرام في طرابلس عقد اجتماعي سليم في ظل هذه الصراعات الرهيبة في الجوار؟.
والتي إن شئنا أو أبينا: أغلبنا ينتمي إلى محورٍ مجاور معادٍ للمحور الآخر، والذي تنعكس أضراره كلما قرر الآخرون المتصارعون قتلاً وتدميراً وتهجيراً لنا في طرابلس؟.
والأنكى من ذلك كله أن كل طوائف لبنان صغيرها وكبيرها ذو ارتباطات تصل إلى أقصى أقاصي المعمورة، ويرهن وجوده الداخلي وانتماءه اللبناني بالقوة أو القوى الخارجية التي تضمن بقاؤه ووجوده...
وسؤالنا الأكثر خطورة في الشمال اللبناني هو: هل هناك آلية ما يمكن أن يتفق عليها العلويون والسنة للاستمرار في العيش معاً بسلامٍ؟ أم أن الخارج أيضا كعادته سيفرض عليهما عقداً سيرضيان به عن قناعة ولكنه لا يدوم طويلا؟.
فمن المعلوم والبديهي لكلِّ مُحلل وّمُراقِبٍ مَدى ارتباط السياسة بالاجتماع في بلد مثل لبنان غَنيّ بالطوائفِ والطائفيات، كون كُل طائفةٍ تستمد وجُودها وقوتها الاجتماعية من قوة ممثليها السياسيين في الدولة. وهنا نقصد بالقوة الاجتماعية مدى تأثير الطائفة في محيطها من كافة الجوانب السياسية والإقتصاددية، الأمنية والثقافية... الخ...
والعلاقة بينهما أي بين السياسة والاجتماع متناسبة طرداً: أي كلما اشتدت قوة الزعامة السياسية انعكس ذلك قوة ونفوذا وتأثيرا للطائفة ككل في محيطها حتى في نفوس العامة والخاصة: فعندما يزداد نجم ممثليها سطوعا، ازدادت نفوسهم شعورا بالعزة والكبرياء، وعندما يأفل نجمه تخفت أصواتهم وتنهار معنوياتهم لدرجة إحساسهم بالغبن والظلم والشعور بالقهر والاستبداد كون قائدهم العظيم وحامل مشعل حريتهم ابتعد حتى ولو بإرادته عن ساحة الصراعات والتجاذبات السياسية.
ونتساءل هنا عن مدى انطباق ما سبق على الطائفة العلوية في لبنان؟ إنَّ الجواب على هذه المسألة يبدو معقداً وبسيطا في نفس الوقت؛ بمعنى أن السياسة هي أم الاجتماع في الطائفة العلوية فمن توافقت معه بالرؤية والخط السياسي توافقت معه بكل شيء. ومن اختلفت معه بالخط السياسي اختلفت معه بكل مكونات ومقومات الحياة المعيشية اليومية تحت عناوين ومعطيات مختلفة.
وأسباب هذا الشيء وطرق علاجه كثيرة ومتنوعة بمجرد توفر الوعي الكافي واللازم بالقضية من كافة جوانبها، ومن ثم الإرادة الصادقة والنية المخلصة لإحداث تغيير في الفكر العام المختزن في الذاكرة العامة منذ عقود وسنوات.
هذا بالنسبة للعلويين، أمَّا عند إخواننا السنة فقد آن الآوان أنْ يقبلوا بوجود هذه الطائفة بكلِّ معنى للكلمة في هذا الوطن: وجودٌ تاريخيُّ تشهد له الكتبُ والمصادرُ والماضي والحاضر بكل مكنوناته.
عليهم أنْ يعيدوا تصديقَ ما قرأنا عنهم في كتب التاريخ أنَّهم فتحوا الفتوحات التي وصلت بين المشرقِ والمغربِ وبين الشمال والجنوب، بكلمتهم الطيبة وموعظتهم الحسنة لا بالتخويف ولا بالترعيب...
وما قلناه سابقاً عن ارتباط السياسة بالإجتماع عند العلويين نقوله هنا أيضاً عند السنة فهم حقُّ لهم أنْ يُمارسوا حرياتهم السياسية بحدودها القصوى:مخيرون لا يُحاسبون على المجاهرة بالإنتساب والولاء لشخصيات حتَّى ولو كانت مُطاردة دوليَّاً...
أما عند العلويين فأي انتسابٍ خارج الوطن، تكون التهمة جاهزة لهم بأنَّهمخارجون ومارقون عن هذا الوطن...
وهذه الحالة لا تصح من قبل الطرفين لا في منطق العقل ولا في منطق التعايش اليومي المفروض على كل من الطرفين، فما هو الحلُّ إذا؟.
الحل بنظرنا نجده متجسدا في مبدأ المساواة كبديلٍ عن الصراع الذي لا نهاية له...
ومن شروط المساواة تحصيل الحقوق، فيا حبَّذا أن يُساعدنا إخواننا السنة في هذا الأمر بما امتلكوا من أيادٍ طويلة في الحكومة، فتكون رسالة طيبة منهم، لن تجد حسب يقيني إلاَّ كل تكريم عندنا...
ومنها أيضاً المساواة في المواطنة بكل أبعادها: أهمها تطبيق الحرية التي يكفلها الدستور باختلاف مستوياتها. وهنا نرجع لنقول هناك الكثير الذي يمكن عمله في سبيل إيجاد روابط وعلاقات متينة صحيحة غير مزيفة بين العلوي ومحيطه اللبناني.
وهذا هو الدور الذي نرجو من الله أن يوفق الجميع، والمخلصين خصوصاً، لتحقيقه.
*المجلس الإسلامي العلوي