يخطىء من يظن أن «الحدث السعودي» هو مجرد مناسبة ضخمة تنتهي مفاعيلها بمغادرة الرئيس الأميركي الرياض الى وجهته الثانية في هذه الرحلة التي أراد لها أن تبدأ في المملكة العربية السعودية، كأوّل زيارة له رئيساً الى خارج الولايات المتحدة الأميركية، ثم يعقبها بعواصم الدينين السماويين الآخرين (بعد الإسلام) القدس المحتلّة فبيت لحم والاتيكان.
ويخطىء بالقدر ذاته من يظن أو يعتقد بأن هذه الزيارة ستقلب الأمور والأوضاع رأساً على عقب في المنطقة، وأن دولاً ستدول، وأنظمة ستُقلب، وفجراً جديداً سيطل على الشرق الأوسط وإستطراداً على العالم كلّه.
وبين هذين الظنين نرى أن التعقل في مقاربة الزيارة يقتضي الآتي:
أولاً - إنها زيارة مهمة، بل هي بالغة الأهمية إنْ من حيث توقيتها، أو تحديد منطلقها من أرض الإسلام في المملكة، أو مدى إرتباطها بوعود وتعهدات الرئيس دونالد ترامب خلال حملته الإنتخابية وما بقي ملتزماً به وما تراجع عنه، أو المدى المالي - الإقتصادي - السياسي لهذه الزيارة.
ثانياً - لاشك في أنّ الإتفاقات العديدة التي عقدها الجانبان الأميركي والسعودي سيكون لها ما بعدها من تنسيق وتشاور بين الطرفين في قضايا عديدة إن على المستوى الثنائي أو الإقليمي أو الدولي.
ثالثاً - لقد حرص المسؤولون في الجانبين على التركيز على ما يصفانه بدور إيران السلبي في سياستها إزاء دول المنطقة، وتحديداً إزاء الدول العربية، ولكن الجانب الإيراني لاقى الزيارة بخطوة مهمة وهي التجديد (بالإنتخاب) للرئيس الإيراني الشيخ روحاني لولاية ثانية... ما يشير الى أنّ الشعب الإيراني إختار، مباشرة وعبر صناديق الإقتراع، الرئيس المعتدل روحاني مؤثراً إياه على «المتشدّد» المرشح الرئاسي «رئيسي»، وبفارق كبير. ما يشير الى أنّ التغيير في إيران يأتي سلفاً، وبِـ «مبادرة شعبية» يأمل العالم الخارجي ان تترجم مباشرة من خلال الإسراع الى تحسين العلاقات مع المحيط العربي على حدّ ما يرغب به العرب الذين يعرفون أن إيران «موجودة هنا» وإن فيها «شعباً شقيقاً» كما تقول الأدبيات السياسية الخليجية. وبالتالي المطلوب منها «حسن الجوار» لا أكثر ولا أقل.
رابعاً - بالنسبة الى سوريا لاشك في أنّ التورط الأميركي سيكون محكوماً بالتفاهم مع الجانب الروسي الذي أعربت الإدارة الأميركية الجديدة عن «حرصها الأكيد» على التنسيق «المتواصل» معه... علماً أن «المسألة الروسية» (كما باتت تُسمى في الولايات المتحدة) باتت تأكل مع الرئيس ترامب في الصحن، وهذه حقيقة لا يسقطها السعوديون خصوصاً والخليجيون عموماً من حسابهم، وهم يتابعون مجرياتها السياسية والقضائية باهتمام كبير، بعدما نجح خصوم ترامب في تحويلها الى نقطة إنطلاق مركزية في حملتهم على ترامب.
خامساً وأخيراً وليس آخراً: لقد نجحت المملكة في إحداث «تحوّل» في مسار الرئيس ترامب، إذ شتان بين ما حفلت به حملته الإنتخابية من كلام ومواقف بحق الإسلام ودول الخليج، وبين إختيار الرياض محطة أولى في إطلالته على العالم الخارجي وما تضمنه خطابه، أمس، في القمة الموسّعة من إشادة مطوّلة بالمملكة قيادة وشعباً، وبدول الخليج كذلك.