زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب التاريخية للمملكة العربية السعودية حظيت باهتمام عربي خليجي بالغ، لكنها أتت دون التوقعات منها، وبدا أن الرابح الوحيد هو الرئيس الأميركي نفسه، في وقت تداولت معلومات سبقت الزيارة ان واشنطن بصدد إنشاء حلف عسكري عربي شبيه للناتو يستخدم للحرب على سوريا وغيرها من المناطق التي تستحوذ اهتمام الأميركيين في وقت لم يتمظهر مثل هذا الإعلان الصريح او التعاضد الذي تكشف فيه الادارة الأميركية عن نيتها التصعيد العسكري في بيانها الختامي أو ربط الزيارة بالمزيد من التطورات الساخنة بالمنطقة.
انتهت الزيارة وتوجّه الرئيس دونالد ترامب الى «إسرائيل» حاملاً معه «صفقات مالية كبرى تعتبرها واشنطن حقوقاً مكتسبة».
لكن على المقلب الآخر تبدو الزيارة في الشارع الأميركي محطة مختلفة، بالنظر اليها من جهة الجمهوريين والديمقراطيين. وهي بالنسبة للرئيس دونالد ترامب خطوة أساسية تهدف للتأثير محلياً أي في الشارع الأميركي. وهي المفارقة التي لا ينظر اليها العرب الذين يرون في الزيارة استثماراً للحشد ضد ايران فقط في وقت يبحث كل رئيس دولة في زياراته الخارجية عن «الإنجاز» الذي يقدمه لشعبه او حكومته فكيف الأمر بحالة زيارة ترامب التي تتزامن مع عواصف اجتاحت إدارته أميركياً، وهي التي لا تزال تعيش عدم استقرار وترقب؟
البعد الداخلي على الأميركي أهم اهداف الزيارة والعودة الى الوطن بصفقة تاريخية هي الأكبر الى واشنطن تبقى الاهم بالنسبة للأميركيين الذين يراهنون على تطوير الاقتصاد وتغيير سياسات الإدارة السابقة منهجياً، خصوصاً ان رجل الاعمال دونالد ترامب وعد الشباب بوظائف وفرص عمل وتغيرات كبرى في واقعهم قبل تسلمه سدة الرئاسة.
واقع ترامب الداخلي ليس على ما يُرام، لا شيء يبشّر بالخير على الإطلاق حتى أن ابنته ايفانكا التي تبدو الأكثر حرصاً على إنجاح والدها تدرك جيداً مستوى الحملات الإعلامية على والدها وتتحدث معه عن ضرورة مصادقة الإعلام وتخفيف نبرة التطرف ضد القضايا المحلية والخارجية والعودة للالتزام بسياسات الأسلاف، إذا اراد استكمال عهده على خير ما يرام.
لم يتخلص ترامب حتى اللحظة من تداعيات تواصل فريق عمله مع روسيا في مرحلة الانتخابات وشكّل ملف طرد مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي جيمس كومي مؤخراً مناسبة للعودة الى تزخيمه من جديد واستذكار إقالة مستشار أمنه القومي مايكل فلين الذي عيّنه لأيام نتيجة تواصله مع سفير موسكو في واشنطن خلال الحملة الانتخابية، حيث اندلعت الأزمة في وقت وصف الأسبوع الماضي بأسبوع مضطرب بالبيت الأبيض.
يفيد هنا الاطلاع على الأجواء المحلية المقلقة أميركياً بالنسبة لإدارة ترامب، وأبرزها أن استطلاعاً للرأي لمؤسسة رويترز «إبسوس» نشر يوم الجمعة الماضي اظهر أن شعبية الرئيس الأميركي دونالد ترامب هوت لأدنى مستوى لها منذ تنصيبه بعد اتهام ترامب بإساءة التعامل مع معلومات سرية والتدخل في تحقيق لمكتب التحقيقات الاتحادي «اف.بي.آي» اما خلاصة الاستطلاع الذي أجري في الفترة بين 14 و18 أيار تقول إن 38 في المئة من المشاركين في الاستطلاع يؤيدون ترامب فيما كان 56 بالمئة معارضين له، أما الستة في المئة الباقين فكانت لديهم آراء مختلطة بشأنه.
الاستطلاع الذي شمل مواطنين مؤيدين للحزب الجمهوري كشف أن تأييدهم يتراجع للرئيس الجمهوري ترامب، فكانت النسب على الشكل التالي:
من بين الجمهوريين أبدى 23 في المئة استياءهم من ترامب في الاستطلاع الأخير بارتفاع من 16 في المئة في الاستطلاع ذاته قبل أسبوع. والانخفاض في نسبة التأييد من جانب الجمهوريين يبدو السبب الرئيس في انخفاض شعبية ترامب بشكل عام إلى أدنى مستوى لها منذ توليه منصبه على ما وصفت الجهة المستطلعة.
تبقى المحطة الأكثر إثارة للجدل ما نقلته قناة الـ CNN الأميركية أن «البيت الأبيض بدأ البحث بإجراءات تتعلق بتنفيذ قرار «عزل» الرئيس الأميركي دونالد ترامب من منصبه»!
القلق الذي يعيشه ترامب في شارعه هو مبكر نوعاً ما لرئيس حديث في السلطة. وهو لا يؤشر الى ان عهد ترامب سيكون على ما يرام اذا لم تتحقق إنجازات سريعة تمكّنه من مواجهة خصوم الداخل الذين لا يزالون يشحذون الهمم لإسقاط حكمه معنوياً وسياسياً والحديث عن عزل ترامب ليس إلا هدفاً موضوعاً نصب أعينهم في وقت تبدو هذه التهديدات اكثر ما يفسر تقلب ترامب السريع لجهة إعلانه كمرشح رئاسي عن رغبته الكبيرة للتعاون مع روسيا ومكافحة الإرهاب وعن امتعاضه من السياسة السعودية تجاه المنطقة ودورها في خلق التطرف لتنقلب كلياً ويصبح عنوان الزيارة تدشين مراحل وطرح أطر أمنية وسياسية لمكافحة الإرهاب مع السعوديين بعناوين مختلفة.
يعرف الرئيس «رجل الأعمال» جيداً كيف يتاجر بالمناسبات والمحطات إجرائياً وتنفيذياً ولطالما لعب على خط الإبهار في كل ما تنتجه مؤسسات ترامب. هذا الرجل الذي يسعى دائماً إلى التطرف في خياراته استطاع الحصول على أكبر صفقة في التاريخ كله بين دولتين.
يقدم ترامب للأميركيين صفقات تتكفل بحماية موقعه من دون المجازفة بمال الشعب الأميركي وإظهار النتائج سريعاً في الشارع عبر الإبهار وسرعة الدفع. وهو لا يبدو معنياً بآثار الزيارة شرق اوسطياً بقدر ما هو معني بتأثيرها على الداخل. فالرئيس ترامب يعرف أن أبعاد الزيارة وتأثيرها المحلي على إدارته واستقرارها هو أكثر ما يحتاجه في هذه الأيام، حيث لم يسبق أن واجه رئيس خطر العزل والحصار بملفات مثيرة للجدل، في هذا التوقيت المبكر من تسلمه.