يجب على كل "عربي "أن يشكر الرئيس الأميركي دونالد ترامب على صراحته في الرياض. فالرجل نفّذ حرفيا وعده الانتخابي الأبرز. قال في خلال حملته الانتخابية "سأجعل دول الخليج تدفع ثمن الدين الأميركي" وثمن "المناطق الآمنة في سوريا"، وقال إنه سيحمي إسرائيل التي تشكل أولوية أمنيّة وسياسيّة بالنسبة لبلاده. ومع مغادرته السعودية بعد 3 قمم سعودية وخليجية وإسلامية، ذهب الى أصدقائه الإسرائيليين ليقول لهم لقد فتحت لكم درب التطبيع العربي الكامل معكم دون أيّ تنازل من قبلكم...
صاح ترامب في السعودية كطفل حصل على أول لعبة "وظائف وظائف وظائف". أعلن والفرح يملأ عينيه ان الصفقات مع القيادة السعودية وصلت الى أكثر من 300 مليار دولار (وزير الخارجية السعودية تحدث عن 350 مليارا)، وبينها 110 مليارات ستدفع فورا والباقي يمتد على 10 سنوات.
لكن دعونا أولا نقرأ بتأنٍّ ما قاله ترامب في الرياض وكيف نجح في بيع الوهم: هو ذكر ايران في خطابه أمام القمة الإسلاميّة الاميركيّة 11 مرة. أراد أن يقول لسامعيه ان ما تدفعونه من أموال سيشكل سدًّا منيعا أمام التدخلات الايرانية في المنطقة...
لكن ترامب قال حرفيا لسامعيه أيضا، ان "دول الشرق الأوسط لا يمكنها انتظار تدمير القوة الأميركية لهذا العدو (الإرهاب) بالنيابة عنهم" مضيفا: "يجب أن تكون الدول الإسلامية مستعدة لتحمل العبء، إذا أردنا أن نهزم الإرهاب ونرسل أيديولوجياته الشريرة إلى غياهب النسيان"... هذا يعني باختصار أنه يريد أخذ المال لكنه لن يتحمل عبء المواجهة وانما يسعى الى دفع الدول الخليجية وغيرها صوب مواجهة بطريقة قد تكون كوارثية مع ايران.
حين تحدث الرئيس الأميركي عن ايران، فهو لم ينظر اليها فقط من زاويتي التهديد والإرهاب (رغم أن لا ثوابت فعليّة حتى الآن حول عمل إرهابي قامت به ايران في دولة غربيّة)، وانما نظر اليها خصوصا من زاوية إسرائيليّة. قال حرفيا، " انها حكومة تتحدث صراحة عن القتل الجماعي وتتعهد بتدمير إسرائيل والموت لاميركا".
في الحديث أيضا عن إسرائيل قال ترامب: "لقرون عديدة كان الشرق الأوسط موطناً للمسيحيين والمسلمين واليهود الذين يعيشون معاً. ويجب أن نمارس التسامح والاحترام المتبادل مرة أخرى، وأن نجعل هذه المنطقة مكاناً يمكن فيه لكل رجل وامرأة، بصرف النظر عن إيمانهم أو عرقهم، أن يتمتعوا بحياة كريمة مليئة بالأمل. وإذا أمكن لهذه الديانات الثلاث أن تتعاون معاً، فإن السلام في هذا العالم سيكون ممكناً-بما في ذلك السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين". لا يوجد أوضح من هذا الكلام حول رغبة الرئيس الاميركي الجديد بدفع ما بقي من الأنظمة العربيّة الى أحضان إسرائيل بلا مقابل... فهو لم يعد بأي شيء حيال فلسطين، بينما كان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير يتحدث عن الاستمرار في العمل لتعزيز السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وكأنه ينطق باسم دولة اجنبيّة بعيدة عن هذا الصراع.
حين يقول ترامب للسعوديين ان بلادهم هي منطلق السلام وارض السلام، فانما يدعوهم بصراحة تامة الى فتح العلاقات المباشرة مع الكيان الغاصب للأرض والناهب للتاريخ والقاتل للبشر.
ولكي يرضي سامعيه ويصل الى إسرائيل على سجّادة حمراء لم يتوانَ ترامب في وضع "حزب الله" و"حماس" في مصاف "داعش" المنظّمة الإرهابيّة. لكنه لم يذكر ولا مرة واحدة "جبهة النصرة".
لنفترض أن هذه الدول سمعت نصائح الرئيس الأميركي وتحمّست فيها بعض الرؤوس الحامية ودخلت في مواجهة مع إيران، أو دفعت صوب المواجهة من خلال فخ إسرائيلي... فماذا نتوقع؟.
هل ستصمت ايران، ام أنها ستفتح جبهات عديدة على مصراعيها؟ هل تستوعب الضربة وتصمت أم ستوجه الصواريخ الى أكثر من دولة وقاعدة ومكان.
لقد حاول ترامب أن يُبقي على لغة الاعتداء بشأن سوريا، فهو صحيح اتهم الرئيس الرئيس السوري بشّار الأسد بارتكاب جرائم، الا ان التدقيق في كلامه يوحي بأنه يقصد ايران وليس الأسد حين يقول، "إذا ارتكب الأسد، بدعم من إيران، جرائم لا توصف"... وهو لم يطالب برحيل الرئيس السوري وانما وعد بانهاء الازمة الانسانية والقضاء على داعش...
لعله في ذلك وجّه من قلب الرياض رسائل الى موسكو مفادها، ليس النظام او الأسد أو الجيش السوري هو لبّ المشكلة معكم وانما فقط الوجود الايراني ووجود حزب الله...
فهل من الممكن لنا أن نتصوّر ولو للحظة واحدة أن روسيا ستتخلى عن شركائها في الحرب السوريّة وتفقد اجنحتها العسكرية كرمى لعيون ترامب؟.
نشكر كلبنانيين الرئيس الأميركي على التفاتته الى لبنان، فهو نوّه بجيشنا الباسل في محاربة الإرهاب، ونوّه بتحمل البلد عبء النزوح السوري. لكنّه نسيَ أنّ للبنان الحق الدولي بالمقاومة ضدّ محتلّ غاصب. نسيَ أن حق الشعب بالمقاومة يقرّره الشعب اللبناني. لكنه أيضاً وضع لبنان الآن على كف عفريت. فالمقبل من الاميركي ضد حزب الله يعني تعطيلا للحياة السياسية في الداخل ويعني العودة الى التموضع في الجبهات المتواجهة.
باختصار ان زيارة ترامب الى المنطقة، تعني الصفقة لما بقي من مال وتعزيز حماية إسرائيل وزرع المزيد من الفوضى. فهو كما الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن وضع نفسه في هذه الرحلة في موقع "بطل" الصراع بين "الخير والشر"، فإنّه يعتبر كل من يقاوم إسرائيل ولا يخدم المصالح الاميركية شرير.