لفت رئيس أساقفة بيروت للموارنة المطران بولس مطر في كلمة له خلال معرض الجمعيات والمنظمات غير الحكومية لعام 2017 نظمه مركز "قدموس"، بالتعاون مع جامعة الحكمة وفي حرمها الرئيسي في فرن الشباك، إلى أنه "كلمة شكر أقولها للجمعيات المدنية الموجودة في جامعة الحكمة للعمل الكبير التي تقوم به في خدمة مجتمعنا اللبناني وتطويره وللجامعة في محاولة خدمتكم ما استطاعة إلى ذلك سبيلا وأنتم هنا في بيتكم، في جامعة أرادت منذ تأسيسها، أن تكون جامعة كل لبنان وكل اللبنانيين. أذكر مما تعلمت في الجامعة وبخاصة في الفلسفة والعلوم السياسية، ما كان يقال حول الدول المتقدمة والدول المتأخرة. علمونا أن الدول المتأخرة ليس فيها جمعيات أهلية. أما الدول المتقدمة فهي تقاس في تقدمها بعمل وحضور الجمعيات الأهلية والبلدية فيها. لماذا؟ لأن الدول التي لا تسمح للشعب أن يتنفس، لأن السلطة التي تعتبر نفسها ظل الله على الأرض، ورحم الله كبير من كبارنا الأب ميشال حايك، الذي قال: ما من أحد هو ظل الله على الأرض، فالله نور كله ولا ظل له. الحاكمون ليسوا ظل الله والشعب ليس ملكا لهم. ظنوا يوما أنهم كذلك. وكان في بعض المجتمعات العربية وغير العربية، كان الناس، عندما يبيعون أرضا، يبيعون الأرض وما عليها ومن عليها. الناس عبيد، والعبودية مركز اجتماعي له خصائصه وقواعده. الدول التي تحكم شعبها بهذه الصورة، هي ثنائية الوجود. الحاكم الذي يقرر كل شيء ويبادر إلى كل شيء والمحكوم الذي يتلقى، يعيش فقط وممنوع عليه أن يفكر وان يبادر وحتى أن يؤسس حزبا. ممنوع على مجتمعات مثل هذه أن تكون لها جمعيات مدنية. وعندما تقدمت الشعوب وفرضت حرياتها على القيمين عليها وقلبت المقاييس، فقالت: الشعب له السيادة والحاكمون هم خدام لهذا الشعب، يحاسبون على هذا الأساس، ويغيرون ويحكم عليهم. في جو مثل هذا عاد الشعب واستعاد سلطته وراح يبادر، فكانت الجمعيات المدنية".
وأشار إلى انه "بورك هذا السعي تقومون به، وهو دلالة على تقدم المجتمع اللبناني، حضوركم هو حضور بركة وخير وتقدم للبنان الوطن. هذا لا يعني أن الدولة لا وجود لها، عليها أن ترعى وأن تساعد وأن تنظم النظام العام وأن تسهر على الأمن والأمان وأن تعزز وجود الجمعيات المدنية وتعطيها الفرصة لكي تعمل وتعيش وأنا كنت في صفوفكم مدة ثلاث سنوات، عندما كنت رئيسا لكاريتاس لبنان، وهي جمعية مدنية، أيضا. فرحت في هذه السنوات فرحا عظيما، لأنها وضعتني في علاقة مباشرة مع الناس ومع وجعهم وحاجاتهم. كنت كمعلم للفلسفة أقرأ العالم عبر الكتب ولكن عندما نزلت إلى الأرض وجدت الناس وأحسست بوجعهم، وهذا أعطاني الكثير الكثير. أعتبر أنكم أنتم أيضا، لديكم هذا الشعور، لأنكم وسط الناس، تعرفون حاجاتهم وتحاولون بتصوراتكم ومبادراتكم، أن تلبوا هذه الحاجات وان تكونوا أدوات خير في مجتمعكم وأدوات تطوير".
وطالب مطر الدولة "أن تقوي وتشجع وهذا ما رأيته في دولة متطورة مثل ألمانيا، وفيها مؤسسة كاريتاس التي تُعنى بخير الإنسان ومساعدة المحتاجين والمرضى والمعوقين والمسنين، لدى هذه المؤسسة الكنسية،400 ألف موظف، تقريبا ما يوازي عدد أفراد الجيش الألماني، ولا أتصور عندنا وفي دولنا أن تكون لمنظمة إجتماعية 400 ألف شخص والدولة تدفع لهم راتبهم والدولة الألمانية تدفع لهم رواتبهم، لماذ؟ لأنهم يقولون لماذا نوظف أناسا غير مهتمين بالشأن العام ومساعدة المحتاجين، أناسا يريدون أن يكسبوا أجرهم ولا يهمهم ما يعملون، نراقبهم ونحاسبهم ونطردهم عندما لا يقومون بالعمل المطلوب منهم. عندما يأتي أناس ويتبرعون بحياتهم، بعملهم ووقتهم، نساعدهم فتأتي النتيجة أكبر وأفضل، لذلك قالوا نساعد هؤلاء الذين يتقدمون طوعيا، حتى يكون العمل أفضل. هذه فكرة جديدة، نساعد الناس حيث النفع العام".
من جهته، أشار رئيس جامعة الحكمة الخوري خليل شلفون إلى أنه "يسر جامعة الحكمة ويسعدها أَن تفتح دارها، للسنة الثالثة على التوالي، لإحياء هذه التظاهرة الجامعية والمجتمعية الرفيعة NGO's Fair والجامعة، بما تقوم به، تعرب عن تقديرها للمجتمع المدني وامتنانها لسائر الجمعيات العاملة في إطاره، الناشطة في ساحات الوطن وعلى دروب المستقبل، محققة المشاركة الفاعلة للمواطنين في الحياة العامة وفي مشاريع التنمية المحلية والمستدامة".
واعتبر أنه "تشكل المنظمات غير الحكومية ظاهرة مجتمعية رّاقية، وتعتبر سِمة هذا العصر وعلامته المضيئة، وهي تشغُل عالم اليوم، وتثير اهتمامات الدول والحكومات، لأنّها تجسّد الصورة الامينة لديموقراطياتها، والمراقب الواعي لإداراتِها، واليدَ الامينة الممتدة، في كلِّ آنٍ ومكانٍ، بغية تطوير مفهوم الحوكمة والمساعدة على عيش مواطنة صحيحة قائمة على الوعي والشعور بالمسؤولية، أما التطوعية التي تشكل لهذه المنظمات الروح والحافز، فما أحوج المجتمعات اليها اليوم، لأن فيها من روح التجرد والعطاء قدر ما فيها من الالتزام والعزمِ الدائم لتحقيق الأهداف الانسانية والوطنية التي نرنو اليها جميعا. إن جامعتنا التي أولت وتولي اهتماما دائما بالمنظمات غير الحكومية وقد قدمت لها دبلوما جامعيا خاصا على مستوى الماستر ضمن كلية العلوم السياسية والدبلوماسية - تؤكد حرصها على تنشئة كوادر هذه المنظمات بما تحتاجه من مناهج علمية وثقافة شمولية ومتخصصة وأساليب نقدية، وعلى العمل بالتالي على تأهيل العاملين في هذه الجمعيات، ساعين كي يكون لها في لبنان، أسوة بما لها في الدول المتقدمة، دور فاعل وصوت مسموع في صنع القرارات ومراقبة المسارات وبلوغ الغايات المتوخاة".