تنذر المرحلة المقبلة في سوريا بوجود تصعيد دولي – اقليمي من نوع مختلف عما سبقه. الاتفاقات الدولية والتنسيق الاميركي-الروسي لم يلغ تضارب المصالح على الأرض وموقف الرئيس الاميركي دونالد ترامب في قمة الرياض يؤكد أن الحرب في سوريا ستأخذ منحى تصاعديا بعد هزيمة تنظيم "داعش"، بحيث سيعمل على اضعاف الدور الايراني في المنطقة مقابل تصاعد قوته اقليميا وميدانيا في سوريا.
على هذا الصعيد، لاشك ان مرور المرحلة الماضية دون صدام مباشر بين القوى الاقليمية والدولية لا يعني ان المرحلة المقبلة لن تشهد تصعيداً في ما بينها، والمؤكد ان وراثة "داعش" ودحره من المناطق الحيوية ستؤدي الى احتكاك بين تلك القوى على الارض، وهذه المواجهة لن تتأخر في ظل تناقض المصالح العميقة بين الاحلاف المتصارعة وعدم امكانية وصولها الى حد ادنى من اهدافها عند نقطة الربط بين العراق وسوريا، اذ تؤكد المعلومات وجود خطط متضاربة الاهداف بين الولايات المتحدة والسعودية من جهة وروسيا وايران من جهة اخرى، فالجيش السوري وبدعم من حلفائه يتقدم للوصول الى الحدود العراقية ووصل دمشق ببغداد وطهران برا، مقابل خطة اميركية سعودية لوصل جنوب سوريا بالرقة والحسكة والتحام القوات المدعومة منها ببعضها وتشكيل سدّ في مواجهة التقدم السوري الايراني الروسي.
الصراع يأخذ بعدا استراتيجيا اذ ان نجاح الحلف الروسي الايراني السوري يعني اعادة وصل شرق اسيا برا بالبحر المتوسط عبر ايران فالعراق وسوريا، اما نجاح الحلف الاميركي السعودي الخليجي يعني اسقاط الحلم الايراني وفتح ممرات برية من السعودية الى الاردن والشمال السوري.
لايبدو الامر سهلا على الجميع، اذ ان ما بعد مؤتمر آستانة وتثبيت تخفيف التصعيد اطلقت صفارة الانطلاق لانهاء تنظيم "داعش"، وتحركت القوات على الارض كل وفقا لمصلحته واولوياته، الحلف الاميركي باتجاه الرقة والحدود العراقية والحلف الروسي باتجاه دير الزور والحدود العراقية.
في المرحلة السابقة انتهت معركة الاقليم في الشمال السوري بين الجيوش الخمسة، السوري الروسي الايراني الاميركي والتركي، دون تصادم حيث حصل الجميع على الحد الادنى من اهدافه وكان الخاسر الاكبر انقرة حيث توقف تقدمها عند مدينة الباب، اما المعركة المقبلة فتتخذ ابعادا تؤسس لمعركة دولية وحرب استنزاف للاميركي ان استمر في خططه في الجنوب السوري، اذ ان ما ترسمه واشنطن للمنطقة لن تهضمه دمشق أو طهران أو موسكو، لكن القوى الثلاثة تتريث بالرد في انتظار القضاء "داعش"، ودمشق أعلنت مرارا قبل وبعد الغارات على مطار الشعيرات بأن القوات الاميركية قوات غازية بكل ما يحمله هذا الوصف من معنى، والقراءة لدى سوريا والحلفاء للتدخل المباشر للقوات الاميركية في المعارك هو الترحيب بالاصيل وانتظار المزيد من التورط الاميركي في الحرب.
في الجنوب، الشرق السوري، على الحدود مع العراق عند معبر التنف، تحتدم معركة الاقليم، القوات الاميركية والبريطانية شكلت فرق "مغاوير البادية" لقتال "داعش" والحؤول دون تقدم الجيش السوري وحلفائه الى المعبر، وقبل ايام دخلت قوات نرويجية من العراق الى الاراضي السورية لتدريب المزيد من العناصر المقاتلة، بينما بدأت التسريبات والصور تنتشر حول التدريبات ووجود العناصر الاجنبية في سوريا، ولم يعد سرا وجود معسكرات تدريب بالقرب من معبر التنف، في المقابل تتحرك القوات السورية باتجاه المكان المذكور، رغم الغارات الاميركية على طلائع القوات المقتربة من المعبر، وتشير المعلومات الى ان الجيش السوري، بدعم روسي، يتقدم باتجاهين: الاول لاغلاق الحدود الاردنية في شمال السويداء والتضييق على دخول مقاتلين عبر الاردن والثاني التقدم باتجاه المعبر على الطريق الدولي.
لم تثمر الغارات الاميركية في رسم حدود النار او خطوط حمراء، فالجيش السوري عاد وتقدم نحو المعبر رغم الغارة الاميركية وسيطر على المزيد من المواقع واقترب اكثر من التنف، ولم يحسم التنسيق الروسي الاميركي هذه النقطة والتباين حول السيطرة على المعبر مؤكد، حيث طرح الاميركي ابقاء القوات السورية بعيدة عن المكان 15 كلم لكن هذا المقترح رفض وترك الحسم للميدان ولمعركة قد تؤجج الصراع في حال تدخلت القوات الاميركية مباشرة في المعركة، فالمعلومات تؤكد ان القوات المدربة من قبل الاميركيين غير مؤهلة لمواجهة القوات السورية والحلفاء ان لم يتلقوا دعما مباشرا من قوات التحالف الدولي، وهي ان تدخلت لن يقف حلفاء دمشق مكتوفي الايدي في ظل التصعيد الاميركي.
لاشك ان المؤشرات تشير الى تصعيد ميداني قد يتأخر قليلا ريثما يهزم "داعش" بشكل كامل، لكن قبل الهزيمة ستعمل كل القوى للسيطرة على النقاط الفاصلة لأن ما بعد داعش ليس كما قبله، فاما الحل السياسي او الحرب المباشرة بين الحلفاء.