عند كل طارئ سياسي يختل الأمن الطرابلسي، وينفجر الوضع بين العلويين والسنة، وتستمر الاشتباكات لدرجة يُظنُّ أن إيقافها بات مستحيلاً... ثمُّ تقفُ بُرهةً من الزمن بسحرِ ساحرٍ.
وقد حدثت بين الطرفين عقب اتفاق الطائف مصالحة شهيرة (2008) لم تصمد طويلاً بالرغم من الرعاية السياسية الكبيرة لها، بل على العكس اعقبتها جولات عنفٍ عشرين...
ثم وصلنا إلى الخطة الأمنية (نيسان 2014) وما زال الهدوء سائداً حتى اليوم.
مما دفعنا للتفكير حول ايجاد حل منطقي يقوم مقام مصالحة شاملة لا يشعر كل فريق إلا بالرضا بها. فهل ما نفكر به ضرباً من خيالٍ؟ أم ثمة مجال للتفتيش عن حلول دائمة ترسخ الوحدة؟.
سؤال نحاول الاجابة عليه ولو سريعاً فيما يلي:
لا يمكن السير في أي مصالحة جدية مرجوّ لها النجاح الدائم، ما لم تكن مدروسة بعناية فائقةٍ من جهةٍ وطنيةٍ حيادية مخلصة، تُصالحُ كلُ الفئات المتقابلة من الطرفين: ففي مقابل الوثيقة السياسية، لا بد أن يكون هناك عقد اجتماعي، ثم انصهار تربوي. مترافق هذا كله مع إنماء اقتصادي مدروس وملحوظ. والكل للأسف يسعى نحو الوثيقة السياسية بشكل كليٍّ متناسياً العقد الاجتماعي والانصهار التربوي... ناهيك عن الإنماء...
وإذا كانت مصالحة (2008) تشكل في نصها منطلقاً جيداً لتأليف وثيقة سياسية شاملة، لا بُدَّ أن يُضاف إليها ترسيخ حقوق العلويين المشروعة كأعرافٍ وقوانين تبديداً لمخاوفهم في حرمانهم من تمثيل نيابي حقيقي، وحصولهم على وزير وسفير وقاضٍ وكاتب عدل، ووظائف من الدرجة الأولى: أمنيّة كانت أم إدارية، ناهيك عن المساعدة في استكمال المجلس العلوي هيئاته من محاكم ووظائف... وبهذا ربما تنتفي المظلومية المستدامة التي يشتكي منها العلويون دائما.
بالمقابل فعلى العلويين تأكيد المؤكد من جديد بحرصهم على العيش الأخوي المشترك، كما نصَّتْ عليه وثيقة المصالحة الطرابلسية.
وأمَّا العقد الإجتماعي فلا بُدَّ من ربطِ المجتمعين عضويا ببعضهم من قيامِ جمعياتٍ مشتركة، ومؤسساتٍ تجاريةٍ، وأماكن تنزه وترفيه، وذلك لتوسيع مساحات اللقاء، وتمتين أواصر العلاقات بين مختلف شرائح المجتمعين.
بقي لدينا الانصهار التربوي بين طلاب وأساتذة المنطقتين الذي يكاد يكون شبه معدومٍ، وهذا واجب وزارة التربية بإقامة مدارس مختلطة من جبل محسن والتبانة، برعاية خاصةٍ ومتابعة حثيثةٍ لزرع مبادئ المواطنة والأخوة في نفوس الأطفال والناشئة لإعداد جيل: ذاكرته نظيفة من كل مفردات الحروب ومصطلحاتها القذرة.
ونأتِي أخيراً إلى الجهةِ الوطنيةِ الحياديةِ المُخلصةِ المُتَجسِّدَةِ اليوم بشخص رئيس البلاد العماد ميشال عون الذي نأمل منه إيلاء هذا الأمر شأناً خاصًّا، وتشكيل لجنةٍ وطنيةٍ من ذوي الخبرة للوصول إلى عقدٍ سياسي اجتماعي تربوي شاملٍ يحفظ الحقوق والنفوس والوطن.
هذا ما قادنا إليه ضميرنا، خصوصاً وأننا نعيش حالياً في فترة من الهدوء الأمني التي تسمح لنا بالتفكير بهدوءٍ، ومناقشة الحلول برويّة، واغتنامِ فرصة اطمئنان النفوس وتلاقيها في محطات ومجالات شتى...
قبل ان ننتظر عاصفة ما تهب علينا من غامض علم الله فتنسف هذا العيش الأخوي المشترك المنشود، الذي اثبتت التجارب أنه لم يصمد أمام أي متغيّر محليٍّ أو اقليمي.
*المجلس الاسلامي العلوي