بعد أن كان الأسبوع المنصرم قد أنتهى على أجواء إيجابية توحي بقرب الإتفاق على قانون جديد للإنتخابات النيابية، يعتمد النظام النسبي على أساس 15 دائرة، يبدو أن الأمور عادت إلى نقطة الصفر بسبب الخلاف حول الصلاحيات الدستورية بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا سيما بعد المطالعة الدستورية التي تقدم بها برّي لمسألة دعوته إلى جلسة تشريعية بعد إنتهاء العقد العادي من دون إصدار مرسوم فتح الدورة الإستثنائية.
في تلك المطالعة، التي عرضها خلال مؤتمر صحافي، أشار رئيس المجلس النيابي إلى إستخدام رئيس الجمهورية المادة 59 من الدستور، لناحية تأجيل عمل المجلس لفترة لا تتعدى الشهر، معتبراً أن ذلك لا يعني إلغاء الجلسة أو عمل المجلس بل تأجيله، موضحاً أن هذا الخيار موجود في الدستور اللبناني وفي الدستور الفرنسي وقد استخدم في فرنسا في العام 1898.
في هذا السياق، يشير أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية الدكتور عصام اسماعيل، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن المادة 32 من الدستور واضحة في تحديد أن المجلس يجتمع في كل سنة في عقدين عاديين، الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار، والثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول وتخصّص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة، وبالتالي لا يستطيع رئيس المجلس تعيين موعد جلسة وتحديد جدول أعمالها خارج الفترة الزمنيّة للدورة العادية.
بالنسبة إلى التبرير المُقَدَّم، لناحية تأجيل رئيس الجمهورية بتاريخ 14-4-2017 انعقاد مجلس النواب، وبالتالي فإن هذا التأجيل يجيز استعادة المدّة المؤجلة عبر تمديد مدّة الدورة لاستيفاء الشهر الذي جرى تأجيل انعقاد المجلس فيه. يؤكد اسماعيل أن هذا الأمر، وإن كان يحتمل منطقاً، فإنه يصطدم بالنص الصريح، ويضيف: "من المعروف في المبادئ العامة للقانون أن لا اجتهاد في معرض النص الصريح".
من جانبه، يشدد مدير كلية الحقوق والعلوم السياسية في الفرع الخامس الدكتور عقل عقل، في حديث لـ"النشرة"، على أن المرجعية يجب أن تكون الدستور اللبناني، وهو واضح في تفسير الواقع الحالي ولا يقبل الإجتهاد لا سيما في المادتين 31 و32، ويعتبر أن ما قام به رئيس المجلس النيابي لناحية الدعوة إلى جلسة تشريعية خارج العقد العادي مخالفة واضحة وصريحة للدستور ويتناقض مع صلاحيات رئيس الجمهوريّة، الذي يعود له بالإتفاق مع رئيس الحكومة، بحسب المادة 33، أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدد افتتاحها واختتامها وبرنامجها.
من وجهة نظر عقل، لا يمكن هنا تطبيق مبدأ الإجتهاد طالما أن النص الدستوري واضح، حيث أن المادة 32 تحدد موعد إنتهاء العقد العادي بشكل لا لبس فيه، ويرى أن الأمر يعود إلى الرغبة في أن يكون جدول أعمال جلسة 5 حزيران يتضمن إقتراح قانون تمديد ولاية المجلس النيابي، وهو ما يرفضه رئيس الجمهورية بشكل مطلق وتصدّى له في السابق، ويضيف: "حتى ولو كانت الدعوة إلى العقد الإستثنائي بموجب طلب مقدم من الأكثرية المطلقة من أعضاء المجلس النيابي فهذا لا يلغي حقه في تحديد الموعد وجدول الأعمال".
من ناحية أخرى، يلفت إسماعيل إلى أن النص بطريقة صياغته مغاير كلياً للنص الفرنسي الذي لم يحدِّد تاريخ إختتام الدورة بل تحدث عن دورة مدتها الدنيا 5 أشهر، بحيث لا يجوز أن ينعقد مجلس النواب لأقل من خمسة أشهر، لذا في حال تأجيل مدّة انعقاد المجلس فإنه ملزم باستكمال الأشهر الخمسة.
بالإضافة إلى ذلك، يوضح اسماعيل أن المادة 59، التي استند عليها رئيس الجمهورية سابقاً، تنص على تأجيل إنعقاد الجلسة ضمن العقد الذي هو الدورة، ويلفت إلى أن هذا التأجيل ليس تأجيلا للعقد، إنما هو تأخير لموعد الجلسة فقط، لكن على الرغم من ذلك يشدّد على أن النقاش فقهي دستوري، ويلفت إلى أن الحسم فيه يعود إلى المجلس الدستوري، في حال إنعقدت جلسة المجلس النيابي في 5 حزيران من دون أن يكون رئيس الجمهورية قد دعاه إلى دورة إستثنائية، حيث سيكون أي قانون يصدر عن هذه الجلسة عرضة للطعن أمام الدستوري، الذي يستطيع حسم كل الجدل المثار حول تطبيق المادتين 32 و59 من الدستور.
بالنسبة إلى عقل، من واجب رئيس الجمهورية، بصفته حامي الدستور، منع إنعقاد أي جلسة الهدف منها التمديد المُخالِف للدستور، ويؤكد أنه لا يمكن لرئيس الجمهورية حتى التوقيع على مرسوم دعوة مجلس النواب للإنعقاد في حال كان على جدول الأعمال إقتراح قانون ينص على هذا الأمر، ويشير إلى أن الرئيس كان واضحاً في دعوة الأفرقاء إلى الإتّفاق على قانون إنتخابيّ جديد، لِيُصارَ إلى إقراره، لكنه يعتبر أن هناك من لا يزال يراهن على التمديد من جديد.
في حال إنعقاد جلسة 5 حزيران من دون صدور مرسوم الدعوة لفتح عقد إستثنائي، يشدّد عقل على أنها ستكون باطلة ومخالفة للدستور بحسب المادة 31، التي تنص على أن كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يُعَدُّ باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون، ويشير إلى أنها ستكون سابقة لا يمكن السكوت عنها بأي شكل من الأشكال، ويوضح أن المجلس الدستوري لم يُعْطِ صلاحية تفسير الدستور بالرغم من أن الطائف ينصّ على ذلك، وبالتالي هو لا يستطيع إلا البت في دستورية القوانين في حال صدور أي قانون عن تلك الجلسة.
في المحصلة، فتح السجال السياسي حول قانون الإنتخاب الجَدَلَ واسعاً حول الصلاحيات الدستورية لكل من رئيس الجمهورية ورئيس المجلس النيابي، فهل يذهب بري إلى عقد الجلسة من دون صدور مرسوم الدورة الإستثنائية أم أنّ مساعي التوافق ستنجح في إعادة الأمور إلى مسارها الطبيعي؟