منذ أيام كشف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن نيته بيع نصف المخزون الاستراتيجي من النفط الخام الذي تملكه الولايات المتحدة الأميركية، والذي وصل في الفترة الاخيرة الى ما يقارب الـ700 مليون برميل، مخزّنة في كهوف ملحيّة تقع تحت مجمع حكومي في ولايتي تكساس وقبالة ساحل خليج لويزيانا. فما هي خلفيات هذا القرار؟.
لا شك أن الأسواق النفطية واسعار النفط العالمية تملك أهميّة "سياسية" كبرى الى جانب أهميّتها "التجارية"، لذلك لا بد عند البحث عن خلفيات القرار الأميركي من دراسة الواقع النفطي العالمي. وفي هذا السياق يشير الخبير الاقتصادي النفطي ربيع ياغي الى أن هدفين أساسيين يقفان خلف القرار الأميركي ببيع نصف المخزون النفطي، الاول تجاري بحت والثاني سياسي.
بالنسبة الى الهدف التجاري، فإن المخزون النفطي هو عبارة عن "أموال مجمّدة"، وبالتالي لن يكون لها قيمة إن لم تُستثمر، يقول ياغي، مشيرا الى أن الحكومة الأميركية عززت مخزونها النفطي عامي 2015-2016، عندما كان سعر البرميل يتراوح ما بين 30 و40 دولارا أميركيا، بهدف اعادة بيعه بسعر أعلى كما هو الحال اليوم، وتحقيق الارباح. ويضيف: "في هذه العملية التجارية سيتم "لَيّ" ذراع "أوبك" والدول التي وافقت على تخفيض الانتاج، لأن الولايات المتحدة الاميركية ستدخل في عملية تحديد سعر البرميل، وقد يحددون 50 دولارا أميركيًّا سعرا له، وبالتالي سيلجمون أي تصاعد للأسعار يريده الروسي والخليجي.
أما بالنسبة للشق السياسي، فلا بد من التذكير باللقاء الأخير الذي جمع منذ اسبوعين بين وزيري النفط في روسيا الكسندر نوفاك والمملكة العربية السعودية خالد الفالح، وتم فيه الإتفاق على تمديد خفض الانتاج(1) حتى شهر آذار من العام المقبل. وهنا يلفت ياغي النظر الى أن دول "أوبك" وروسيا يحاولون من خلال تمديد قرار خفض الإنتاج الى ضبط الأسعار ومحاولة رفعها، والتحكم بها، والعودة الى مركز "الثقل" في المعادلات الدولية يما يخص العرض والطلب، الا أن الأميركي سيكون لهم بالمرصاد من خلال خطّة بيع المخزون النفطي، الامر الذي يعني إغراق الأسواق وإبطال مفعول "تخفيض الانتاج". أما اذا عمدت الحكومة الاميركية الى استهلاك مخزونها النفطي في السوق الاميركي فهذا يعني أن "استيرادها" للنفط سيتقلص، وبالتالي سيُبطل مفعول قرار خفض الإنتاج أيضا لأن عمليات بيع البراميل الموجودة تقلّص بدوره.
إذا، مع كل محاولة لرفع أسعار النفط، تكون الولايات المتحدة الأميركية بالمرصاد، لأنها تعلم أن زيادة الأسعار ستعود بالمنفعة الكبيرة لروسيا والدول التي تدور في فلكها، وهذا ما يجعلها جاهزة لبيع مخزونها النفطي. ولكن الى جانب قرار بيع هذا المخزون، تملك الولايات المتحدة الاميركية وسيلة دفاع أخرى، هي "إنتاج النفط الصخري"، فالحكومة الأميركية تعمل منذ سنوات على تخفيض كلفة هذا الانتاج، الامر الذي يجعل من هذا النفط "لاعبا" رئيسيا في منظومة النفط العالمية.
في هذا السياق يؤكد ياغي أن الولايات المتحدة الأميركية هي السوق الإستهلاكي الأكبر للنفط في العالم بمعدل 20 مليون برميل يوميا، وبالتالي فإن اقترابها من إنتاج هذا العدد من البراميل سيعني توقف عمليات الاستيراد، ما يؤدي الى وقوع خلل كبير بين العرض والطلب لمصلحة الاول.
نجحت الشركات الأميركية بتخفيض كلفة انتاج البرميل الواحد من النفط الصخري الى حوالي 17 دولارا أميركيا، ويبدو من خلال عزم ترامب على بيع المخزون النفطي أن الحكومة الاميركية قد دخلت معركة "منع رفع اسعار النفط" لمنع استفادة روسيا وايران، ما يعني حكما أن هذه الشركات ستزيد من قدرتها الانتاجية لرفع مستوى "العرض" وإبطال مفاعيل قرار خفض الإنتاج.
(1) إن منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، توصلت في 30 تشرين الثاني 2016، إلى اتفاق لتخفيض إنتاجها بمقدار 1.2 مليون برميل من النفط يومياً، وذلك اعتباراً من شهر كانون الثاني 2017. ويقضي القرار الصادر بهذا الصدد، بأن تقوم الدول المنتجة للنفط، من الدول خارج "أوبك"، بتخفيض حجم إنتاجها من النفط، بمعدل 600 ألف برميل يومياً. علماً بأن روسيا، وبوصفها واحدة من كبار الدول المنتجة، أعلنت موافقتها على تخفيض إنتاجها، بمعدل 300 ألف برميل من النفط يومياً، سعياً منها للحفاظ على استقرار أسعار النفط عالمياً.