بعد قمّة الرياض وما أعقبها من خلافات حادّة بين المملكة العربية السعودية وقطر طرحت علامات استفهام عن جدوى الزيارة خليجياً وتداعياتها على الدول التي من المفترض أن تشكل حلفاً مطمئناً للخيار الأميركي شرق أوسطياً أي دول مجلس التعاون الخليجي ليتبين أن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الى السعودية لم تعزّز من وحدة الصف الخليجي كما كان مفترضاً، بل كانت منطلقاً لشرخ أخذ يكبر يوماً بعد الآخر بين دولها التي تشكّل مفصل القتال السياسي والعسكري في المنطقة السعودية وقطر .
الحديث عن تحرّك ميداني أو تقدم للمعارضة في مختلف محطات الثورات العربية منذ عام 2011 حتى اليوم كان يأخذ نحو دولتين تعتبران من أمتن ركائز الدعم المالي والمعنوي للثورات، وبدونهما تفقد الحراكات قيمتها بديهياً. فالسعودية وقطر أخذتا على عاتقهما الظهور بمظهر رأس حربة التغيير المقبل الى الشرق الأوسط نظرياً أما تطبيقياً، فكان للدولتين حصة الأسد من خيار دعم المجموعات المسلحة التي تقاتل، خصوصاً في سورية التي تعتبر أزمتها الأكثر خطورة على مستوى المنطقة. كل هذا يخضع اليوم لابتزاز مسألة «تعميق» الخلاف بين السعودية وقطر على خلفية خرق موقع وكالة الأنباء القطرية كما تدّعي قطر أو على خلفية إطلاق مواقف حادة من القمة في الرياض، خصوصاً بما يتعلق بحركة حماس على ما تتمسّك السعودية بتصديقه كرواية بأصول ثابتة شنّ إعلامها حرباً ضروس ضد الإمارة القطرية على أساسها.
لكن الخلاف السعودي القطري اليوم يمثل على المقلب الآخر مشهداً عاشته الميادين السورية في السنتين الماضيتين بشكل أبرز. وهو القتال بين المجموعات المسلحة التابعة للسعودية في سورية، وتلك التابعة لقطر، بحيث أخذت المجموعات بإبادة بعضها بعضاً فاسحة المجال للجيش السوري وحلفائه بالاستفادة استراتيجياً والعمل على تعميق الهوة الموجودة وتجييرها لصالح توسيع حضوره الميداني. وهو الأمر الذي يأخذ نحو السؤال عن مصير ما تبقى من المجموعات المسلحة في سورية المدعومة من الطرفين.
الخلاف الذي لم يكن يظهر الى العلن ظهر اليوم على مستوى رسمي، إذ تسعى بعض الأطراف للتدخل من اجل فض النزاع من دون أن تلقى حتى الساعة آذاناً صاغية، ما يعني أمرين أساسيين:
اولاً: التعويل على حفظ مواقع المسلحين ونفوذهم في ما تبقى من الاراضي السورية بات شبه مستحيل. فالحرب بين الجماعات المسلحة كانت مستعرة قبل الإعلان عن الخلاف رسمياً فكيف بالحال، وقد بات الأمر على رؤس الأشهاد.
ثانياً: السعي للحصول على مكاسب سياسية في سورية «الجديدة» عبر المفاوضات بات خياراً محدوداً.
خسرت المعارضة السورية المفككة أصلاً إمكانية الحشد «عربياً وإقليمياً» للملمة ما تبقى من أمل بمكاسب في أي حلّ سياسي، خصوصاً تلك المدعومة سعودياً، فتركيا تساند قطر في سورية، وهي التي تحظى عنوة بقدرتها على إحداث تطوّر جدي بالملف نزولاً عند عامل الجغرافيا، وإذا كانت الولايات المتحدة قد أعلنت السعودية مرجعية سنية إقليمية، إلا أنها عاجزة عن فرض السعودية طرفاً قوياً في حل الأزمة السورية بعد الآن لأن الجغرافيا السياسية تلعب لصالح تركيا حتماً.
وهنا تتداول معلومات عن نيات قطرية بدعم مجموعات مسلحة بأموال باهظة من أجل قتال المجموعات التابعة للسعودية، ليس في سورية فقط، إنما في العراق وغيرهما. وهذا الأمر يعني أن الصراع ينحو منحى تصاعدياً.
السعودية من جهتها وعبر قنواتها بثت سلسلة فضائح لأمير قطر السابق حمد بن خليفة يتحدّث فيه عن دعم المجموعات الإرهابية وكافة المعارضات وتمويل الثورات ما يجعل العودة إلى الوراء أبعد، ويضع قطر أمام حلين لا ثالث لهما.
أولاً: إما الخضوع والتنازل الكامل للسعودية وفك الارتباط بجماعة الإخوان المسلمين وتركيا. وهذا ما يبدو مستحيلاً.
ثانياً: وإما الدخول في الحرب والكباش حتى النهاية والبدء بالحسم بالملفات التي تمكّنها من إحداث فارق وتسجيل نقاط بوجه السعودية وأبرزها الملف السوري، وعلى هذا الأساس تتصاعد احتمالات تجيير نقاط الخلاف القطري التركي مع السعودية لمصلحة الحلف الروسي الإيراني السوري في سورية، ما من شأنه التسريع في حسم الميدان وتضاعف إنجازاته في ما تبقى من مناطق لصالح النظام.
نقاط القوة القطرية التركية المشتركة تكمن في إمكانية اللجوء الى ما تبقى من أوراق تحرك المشهد في المنطقة، مجدداً بعد الاصطفاف الأميركي بجانب الرياض بما يوحي فشلاً تركياً ذريعاً بما يمكن أن تشكله من حليف أول للأميركيين، وبالتالي فإن إمكانية تحريك جماعات معارضة موالية لتركيا وقطر ممكن لإثبات تماسك الحلف وتعتبر المغرب التي تشهد احتجاجات اليوم هي الأكبر منذ عام 2011 أرضاً خصبة لاندلاع حراك يستجلب قوى خارجية لدعمه يُضاف إليها الوجود الاسلامي الكثيف والحركات التي تنتظر فرصة من هذا النوع مع تصاعد الإخوان المسلمين فيه. وهو الأمر نفسه الذي ينسحب على الأردن وليبيا معاً، ليبقى السؤال عن مدى إمكانية أن تستغل قطر وتركيا تلك الأوراق جدياً بوجه الأميركيين لإعلان عدم الاستسلام للخلاصة الأميركية الأخيرة في توزيع القوى، خصوصاً أن واشنطن مضت في دعم الأكراد عسكرياً بشكل رسمي بوجه تركيا.
تركيا وقطر الدولتان اللتان نسجتا علاقات جيدة مع إيران قادرتان على تشكيل موقف منسجم مع الحلف الروسي بدلاً من الأميركي، ما من شأنه تقوية الحضور الروسي في المنطقة وتثبيته والضغط على الولايات المتحدة.