لم يمر أسبوع واحد في الآونة الأخيرة، من دون أن تنفجر فيه شريحة عمّالية بوجه وزير العمل محمد كبارة ووزير شؤون النازحين معين المرعبي، على خلفية المنافسة السوريّة غير المشروعة وغير القانونيّة لليد العاملة اللبنانيّة، وحتى لأرباب العمل وأصحاب المؤسسات. بالأمس أطلقت الصرخة من عاصمة الشمال التي بات رئيس الحكومة سعد الحريري يقصدها هذه الأيام بوتيرة شبه أسبوعية. صرخة نقيب بائعي اللحوم في لبنان الشمالي احمد بقار الذي عقد مع المئات من أرباب العمل مؤتمراً صحافياً للتحذير من خطورة ما وصلت اليه أوضاع التجار اللبنانيين، بسبب المحال التي فتحها سوريون بطريقة غير شرعية، وبظروف غير تنافسية وللقول صراحة وبالفم الملآن "إذا بقي الوضع على حاله سنقفل محالنا والمسلخ".
قبل طرابلس، سمع كباره والمرعبي صرخة مماثلة من عرسال، وأخرى من البقاعين الأوسط والغربي، أما الهدف الأساس من كل هذه الصرخات، فإيصالها الى المعني الأول، رئيس الحكومة سعد الحريري، خصوصاً أن الأكثرية الساحقة من نازحي لبنان السوريين، تعيش في مناطق عُرفت تاريخياً بمناطق نفوذ تيار المستقبل، كعكار والمنية وطرابلس وعرسال وسعدنايل إضافة الى بلدات البقاع الغربي، وبالتالي حتى لو أن الشعب اللبناني بأكمله متضرر من النزوح، يبقى الضرر الأكبر على جماهير تيار المستقبل التي تعيش في المناطق المذكورة أعلاه وعلى تماس يومي مع النازح الذي بات ينافسها على لقمة عيشها.
لكل ما تقدم، تؤكد مصادر مستقبلية أن الحريري إتخذ قراراً واضحاً لا يقبل الشك، بالعمل على حل أزمة النزوح السوري، بكل ما لديه من وسائل وعلاقات خارجية، كما أنه لن يترك منبراً دولياً يعتليه، من دون تحذير المجتمع الدولي من أن لبنان لم يعد بإمكانه أن يتحمل هذه الأزمة، والدليل على ذلك، كيف شرح رئيس الحكومة بالأرقام والإحصاءات خلال منتدى الدوحة، تداعيات النزوح السوري على الإقتصاد اللبناني والعجز كما نسبة البطالة التي ترتفع، وما يمكن أن ينتج عن ذلك من خطورة على المجتمع اللبناني. الأهم في مقاربة الحريري الجديدة لملف النازحين، هو ما تكشفه مصادر مقربة منه، عن قناعة جديدة تولدت لدى رئيس الحكومة، بضرورة البحث جدياً في المحافل الدولية مسألة إعادة النازحين الى داخل الأراضي السورية، وتحديداً الى المناطق الأربع الآمنة التي أقر إنشاؤها في مؤتمر الآستانة الأخير بتوقيع روسي تركي إيراني. وفي قناعة الحريري هذه، تطور سياسي بارز يتمثل بقبوله التفاوض غير المباشر مع الحكومة السوريّة وهذا ما سيبحثه رئيس الحكومة مع المسؤولين الروس، في أول زيارة له الى موسكو.
إذاً بين الحريري والنازحين السوريين صفحة جديدة فُتحت، بعدما كان تياره عند بداية الحرب السورية من أكثر المتحمسين لإستقبالهم وفتح الحدود لهم. صفحة، سيستعملها الحريري بالتأكيد خلال خطاباته الإنتخابية المقبلة، لمساعدته على إستعادة ما خسره داخل الشارع السني.