كأنها قصة عشق أبدي، أو عقد زواجٍ سرمدي: العلاقة بين العلويين وآلامهم في لبنان. فمنذ أن وُجِدُوا في هذا البلد وهم يُضطهدون، باسم الغلوّ تارة، وباسم العمالة تارةً، وبمسميات ومعطياتٍ تافهة أخرى.
طُردوا إلى الثغور البحرية كي يعيشوا حياة َالقلقِ الدائم في مواجهة الغزاة، ثُمَّ هُجِّروا إلى الجبال إبعاداً لهم عن كل حضارة، ثُمَّ جُرِّدَتْ عليهم ما يُسمَّى الحملاتِ الكسروانية، وصولاً إلى تشريدهم في كل الحروب، التي دفعوا هم أكثر من سواهم الثمن الأكبر.
عن المعاملة الدُّونية لهم خلال كل تاريخ لبنان الوسيط والحديث، الأمر الذي دفع كثيراً من العلويين إلى تغيير مذهبهم تقيَّةً، وما زال الأمر مستمراً حتى اليوم.
ووصلنا إلى الطائفِ، فتحنَّنَتْ عليهم الدولة اللبنانية وتفضَّلتْ بنائبين، ما زال تيار المستقبل يفرضهما على العلويين منذ الخروج السوري، دون الوقوف على خاطرهم ومشاعرهم.
واليوم بقي لديهم نائب واحد بانتظار إجراء الإنتخابات النيابية التي قطعاً لن يكون للعلويين أي تأثيرٍ فيها وبنتائجها، فعنجهية الزعماء الطرابلسيين، وتزلّف كثير من الطامحين على أبوابهم، جعلت النتائج محسومة حتى قبل إجرائها.
وفي 2104 أعطيت الطائفة مُحافظاً لبعلبك الهرمل، وبعد سنتين فقط في 2016 حَرَمُوها من مقعدين بلديين و4 مختاير في طرابلس، بعد أن سلبوها سفيرها اليتيم.
ومحصّلة مكتسبات الطائفة العلوية كلّها في هذا البلد بعد كُلِّ هذا التاريخ الطويل من الظلم والحرمان: نائب واحد ومحافظ فقط... أَيعقل هذا؟.
في بلد يتغنى به ناسهُ أنَّهُ: شعب لبنان العظيم، يرتضي ساسته أن تدوم مظلوميةَ شريحةٍ واسعةٍ من أبنائه ولا يسعون إلى تضميد جراحها. أليسَ عارٌ على لبنان، كل لبنان، هذا الواقع المرير الجاثم على قلبِ طائفةٍ أمٍّ في تكوين تاريخ هذا البلد العريق؟.
قيل: إنْ أرَدْتَ أنْ تُطاع، فاطلبِ المُستطاع؛ فيا ليت مطالب هؤلاء العلويين ترقى إلى أدنى مستويات ما يطلبه شركاؤها في الوطن حتى من الأقليات الأقل عدداً منها رُبما!.
كل آمالها هي أحلامٌ بسيطة قد لا يرضى بها سواها، أما هي فأكبر همها: وزير وسفير وتمثيل نيابي حقيقي. قد تكون هذه الأحلام كوابيساً على هذه الدولة.
لسان حالهم: لا ظَهْرَ لَنا..
ينفطر قلبك دماً لو ألقيتَ سمعَكَ إلى الموظفين العلويين في الدولة اللبنانية من مدنيين وأمنيين وعسكريين.
فالموظفون المدنيون أكثرهم أساتذة تابعون لوزراة التربية الخاليةِ تماماً من موظف علوي فيها. وكثيرٌ من العلويين محامون، لا يسمح لأحدهم أن يكون قاضياً أو كاتب عدلٍ، ويقال: لا يُوجد في كل وزارة العدل ومحاكمها ونياباتها سوى موظف علوي واحد كاتب، ما زال سُنِّيَ المذهب على سجله. وإذا صادفتَ موظفاً علوياً في وزارةٍ ما فذلك هو العَجبُ العُجاب، وأغلب الظنِّ أنه ليس علوياً على سجله كما قلنا.
أما الأمنيّون والعسكريّون فشكواهم المعروفة للقاصي والداني، في تغييبهم عن كل التعييناتِ ومراكز القيادةِ، ليس لعدم أهليتهم قطعاً، وإنما لإنتمائهم الطائفي. ومنْ سبقوهم في الأقدميّة سَبَقَهم في الترفّع وجاوزهم وصاروا تحت إمرته فقط لانتمائه الطائفي.
والعبارة المُرَدَّدة على ألسنتهم جميعاً: "ما إلنا ظَهر"، والظهر المعني في هذا السياق هو الشخص أو الجهة التي يُمكن الإعتماد عليها، لكي تنال جزءاً من حقوقك المدنيّة المسلوبة أو المستحقّة حسب الفقرة (ج) المُبْكية المُضحكة من المبادئ العامة في وثيقة الوفاق الوطني "اتفاق الطائف": "لبنان جمهوريّة ديمقراطيّة برلمانيّة، تقوم على احترام الحريات العامة، وفي طليعتها حرية الرأي والمعتقد، وعلى العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل".
هذا وما زال حديثنا عن الطبقة الراقية المضروبة بِـ"طنجرة كبيرة" جَدَّا كما يقال عندنا، ووضعها هكذا من التمييز في المعاملة والحرمان في الترقي.
أما إذا نزلنا إلى تلك الطبقة البائسة الفقيرة، فنمسك الكلام عنها لأننا لن نستطيع أن نوصل وجعها الصارخ ببضع كلماتٍ قليلة. ولكننا قد نحاول في مقالاتٍ قادمة.
ونحن إذ نستصرخ لا نستصرخ سوى ضميرِ الرئاسات الثلاث التي تُمْسِكُ بزمام الأمور في البلد، فعليها من باب واجبها على حماية الدستور: حماية حقوق العلويين، وأي طائفة شقيقةٍ لنا في هذا البلد حُرمانها مثل حرماننا.