لا أحلاف سياسية ولا رؤى استراتيجية ولا تفاهمات خطية ولا مبادئ أولية؛ لا شيء من هذا كله يرسم التحالفات الانتخابية في لبنان، بل الكيمياء أو التفاعل بين البشر. فغياب الكيمياء خرّب علاقة الوزير جبران باسيل بالرئيس نبيه بري والنائب سليمان فرنجية وغيرهما كثيرون، فيما يدفع انسيابها بين باسيل والرئيس سعد الحريري إلى القفز فوق كل الإبراءات المستحيلة لصياغة تحالف انتخابي وطيد
قبل الشروع في درس الدوائر الانتخابية وما تقتضيه من تحالفات، يطرح رئيس الحكومة سعد الحريري معادلة واضحة في تفضيله التفاهم مع التيار الوطني الحر على أي شيء آخر. وهو يقول في مجالسه الخاصة إن عدم تفاهمه مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبالتالي مع رئيس حزب التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، يجعل من بقائه في الحكم أمراً صعباً حتى لو تألفت كتلته النيابية من ستة وستين نائباً لا ثلاثة وثلاثين، فيما يضمن له التفاهم مع باسيل البقاء في رئاسة الحكومة من دون معوقات تذكر، حتى لو تقلص عديد كتلته إلى ستة نواب فقط.
في هذا السياق، يقول أحد النواب المقرّبين من الحريري ما مفاده إن علاقة تيار المستقبل مع حزب الله تصنف اليوم في خانة الهدنة السياسية، لا السلم ولا الحرب، فيما العلاقة سيّئة مع النائب وليد جنبلاط وغير مستقرة مع الرئيس نبيه بري. أما علاقة المستقبل الإيجابية والوطيدة شبه الوحيدة فهي مع التيار الوطني الحر. وسياسياً أيضاً، انتهى زمن تبنّي تيار المستقبل لـ«مستقلي 14 آذار»، وللذين يصفهم العونيون بـ«أيتام غازي كنعان» في أقضية جبل لبنان، فلا علاقة مع النائب السابق فارس سعيد، والعلاقة أقل من عادية مع النائب ميشال المر وحفيدته نايلة تويني، وأقل من أقل من عادية مع رئيس حزب الوطنيين. ولم يعد بطل أبطال المستقبل في كسروان كارلوس إده يلهم الرئيس الحريري بأيّ شيء، ولا نوفل ضو أو غيرهما. انتهى زمن إيمان الحريري بالقائد الياس عطاالله والنائب السابق أنطوان أندراوس والوزير السابق ناظم الخوري. بَرَم الدولاب الحريريّ فوق هؤلاء جميعاً.
العلاقة مع حزب الكتائب أقرب إلى الخصومة منها إلى أي شيء آخر. أما العلاقة مع حزب القوات فانتهت مدة صلاحيتها قبل أكثر من عام، ولعلها ترمّم. لكنّ الحريريين حين يتحدثون عن تكوين السلطة والمشاريع والكهرباء فإنهم يتوقفون عند شراكتهم مع التيار الوطني الحر قبل أي أحد آخر. وهنا، يمكن التطرق إلى علاقة المستقبل مع رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي يصنّف في خانة الأصدقاء، لا الحلفاء، بعكس الوزير باسيل. ويقول أحد نواب بيروت المستقبليين في هذا السياق إن الرئيس رفيق الحريري كان يجتمع بالرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط حين يريد إقرار أحد المشاريع، أما سعد الحريري فيطرز الموضوع مع باسيل فقط. وهو يحرص بالتالي على مشاعر فرنجية، لكنه أحرص دون شك على مشاعر باسيل.
انتخابياً، يمكن القول إن المستقبليين لا يجدون أنفسهم ملزمين من أجل مقعد نيابيّ أو مقعدين بأيّ مواجهة مع العونيين من شأنها تخريب العلاقة التي يصفونها بالاستراتيجية. وبالانتقال إلى الدوائر وفق قانون الخمس عشرة دائرة المتداول، يتبين أن تيار المستقبل يحتاج إلى العونيين في عكار بقدر احتياج العونيين إليه، ولا شيء يمنّنهم به. فهو يحتاج إليهم لرفع نسبة التصويت للائحته، لكن هم سيزكّون مرشحهم بأنفسهم، سواء كان على اللائحة المستقبلية أو على لائحة ثانية أو ثالثة. وفي صيدا – جزين كما في البقاع الغربي هو يحتاج إليهم أكثر مما يحتاجون إليه. أما في البترون – الكورة – بشري – زغرتا فهو مخيّر بين دعم اللائحة العونية أو دعم لائحة المردة – القوميين أو لائحة القوات في حال عدم تحالف القوات والعونيين. وما ينطبق على عكار ينطبق على كل من الشوف ــ عاليه أيضاً. أما في البقاع الأوسط، فعلاقة المستقبل مع رئيسة الكتلة الشعبية ميريام سكاف مهمة، لكنها لا تبلغ بوجوديتها درجة تدفعه إلى تخريب علاقته برئيس الجمهورية أو وزير خارجيته من أجلها، خصوصاً أن العونيين يظهرون استعداداً للتفاهم هناك.
بالتالي، لا شك في أن هناك بعض المقاعد في بعض الدوائر ستكون موضع أخذ ورد بين الحريري وباسيل. لكن نيّة الطرفين، كما تقول مصادرهما اليوم، تدفع باتجاه تذليل الصعوبات لا مفاقمتها؛ ففي الجهة العونية أيضاً ثمة شعور مستجد بأن الحريريين أقل تطلباً من سائر الأفرقاء السياسيين، وما يجمعهم تنفيذياً بهم أكثر مما يجمعهم بالرئيس بري وجنبلاط والحزب القومي والمردة وحتى القوات اللبنانية. وعليه يفترض أن تمثل الدوائر التي يتعيّن عليهم الاختيار فيها بين حزب الله وتيار المستقبل (كالبقاع الغربي وصيدا ــ جزين) مشكلة ربما، لكنها دوائر قليلة جداً ولا شيء يحول دون تدوير باسيل والحريري لزواياها كما فعلا في عدة استحقاقات سابقة كان يفترض أن تكون أكثر إحراجاً لهما بكثير.