مشكلة الدول العربية أنها لم تُقسّم وفق خريطة سايكس بيكو على أساس الصحّ والخطأ فحسب، أو بمعنى آخر كدول لها جذور تاريخية وعناصر اجتماعية وسياسية وبشرية وجغرافية قديمة، ودول أخرى هي أشبه بصحارٍ أو قفار ولا تملك من مقومات الدولة إلا أنها أرض. وإنما أيضاً قُسّمت على أساس دول حيّة وأخرى ميتة. دول محورية، مؤثرة حقيقة كمصر وسورية والعراق والتي شكلّت تاريخياً مهداً للحضارات والأديان، وأخرى كقطر تمّ افتعالها واختلاقها لتوفير آلية لسلب ما في باطن أرضها من ثروات، من دون أن يكون لها أي دور. لكنْ لأمر أراده المستعمر والوصي والصانع لهذه الدولة وغيرها، قرّر في لحظة ما أن يكون لها دور في إطار رسم خريطة جديدة للمنطقة. دولة أُنشئت بلا معنى ولا طعم ولا رائحة، طُلب منها اليوم بفعل مجموعة المتغيرات الإقليمية والدولية أن يكون لها دور وفاعلية أكبر من حجمها الجغرافي والتاريخي والبشري.
هذه الدولة الصغيرة التي سُميت قطر وجيء لها بسكان كي يصبح لها شعب، أُريد لها أن تكون دولة حقيقية حيّة وعظيمة. لمَ لا؟ طالما أن موازنتها من الغاز وحده تقارب السبعين مليار دولار سنوياً. فلتسّخر إذاً هذه الأموال لمشاريع وأدوار ونفوذ يتجاوز مساحتها إلى مساحة الإقليم والمنطقة، وليكن لها في كل بلد من البلدان العربية تأثير عبر أموال طائلة تُدفع لشراء نخب وأحزاب وحتى جماهير.
اليوم تدفع قطر ثمن «فرعنتها» وخيلائها وعجرفتها وسياستها التخريبية التي تسببت بدمار سورية وليبيا، وتدخّلاتها المقيتة في مصر واليمن وبلدان أخرى. دعمت داعش والنصرة وفصائل إرهابية وإجرامية جعلت بلدان المنطقة في حال كارثية يصعب وصف شراستها ومأسويتها، ودعمت وسائل إعلام مختلفة اشتغلت على التحريض وبث الفتن بين المسلمين وطوائفهم وأعراقهم.
الآن جاء دور قطر. يبدو أنّ الولايات المتحدة تريد إكمال مسيرة الابتزاز لهذه الدول التي لا تملك زمام أمرها من خلال حملة بعض دول الخليج عليها. التهديد السعودي والإماراتي ليس الغرض منه إسكات قطر ودفعها للإذعان والرضوخ تحت السقف السياسي السعودي الإماراتي فحسب، وإنما سرقة المزيد من ثرواتها من خلال الحماية الأميركية التي تأخذ شكل وساطات وربما نشهد شكلاً آخر من نهب مال هذه الدولة عبر حروب بين دول الخليج نفسها تضطر جميعها لشراء المزيد من السلاح التي تصبّ في جعبة أميركا.
نحن أمام مشهد خليجي جديد يمكن اختصاره بالآية القرآنية: «وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ».