تزامنت الأزمة القطرية الخليجية، مع توتر أمني وأعمال إرهابية ضربت العمق الايراني بهدف توجيه رسائل بغاية الأهمية الى الداخل الايراني والى الحرس الثوري الايراني، بأن الداخل الايراني مكشوف وأن إيران ليست بمنأى أمنيًا عن الارهاب وهناك قدرة على اختراقها في أكثر المناطق حساسية ورمزية.
وبالرغم من محاولات أمير الكويت القيام بواسطة بين الدول الخليجية لنزع فتيل التوتر الخليجي، إلا أن المواقف السعودية والاماراتية والتي ما زالت تتخذ منحى تصاعديًا تؤشر الى عدم امكانية حلّ الأزمة في وقت قريب، وتدفع الى الاعتقاد بإمكانية زيادة التصعيد بدل تخفيفه في الايام القادمة.
من هنا، يتحدث كثيرون عن امكانية تدخل عسكري خليجي في قطر، فما هي احتمالاته وما هي مآلاته؟
لعل المعلومات المتوافرة من قطر أنها وضعت قواتها في أعلى درجات التأهب في ظل مخاوف من تدخل عسكري محتمل عبر حدودها الجنوبية، وأن «وزارة الدفاع القطرية بعثت رسالة إلى السعودية والإمارات والبحرين، حذرتها فيها من أنها ستطلق النار على أي سفن تدخل مياهها الإقليمية»، كما أشار مصدر أميركي ل سي أن أن.
وأعلنت تركيا في رسالة صريحة من البرلمان التركي، الذي وافق على مشروع قانون يتيح نشر قوات في قاعدة عسكرية تركية في قطر، أعلنت بشكل لا يقبل الشكّ أنه في حال نشوب نزاع مسلح بين الدول الخليجية فإنها ستصطف الى جانب قطر.
بالنسبة لايران، إن تزامن زيارة وزير خارجيتها محمد جواد ظريف مع الاعلان التركي، بالاضافة الى وعي ايران الرسمي والشعبي والأمني بخطورة الرسالة التي بعثتها المحاولات الارهابية بزعزعة استقرارها أمس، واتهام إيران "الدولة الرجعية" في المنطقة بإنها وراء هذه الرسائل، تشير الى أن ايران لن تقف مكتوفة الايدي في حال قيام نزاع عسكري على الحدود المقابلة لها في الخليج وعلى ضفته العربية، لما في ذلك من مخاطر على الامن القومي الايراني وعلى أمن الخليج برمته.
في المقابل، تبدو التصريحات الأميركية الرسمية مشجعة للسعوديين والخليجيين بالاستمرار بالتصعيد، مضافًا اليها الموقف الفرنسي الذي قال "إنه يتعين على قطر الرد على الأسئلة المطروحة من قبل جيرانها الذين يتهمونها بدعم الإرهاب"، والذي شدد على أن فرنسا "بلد صديق لتلك الدول التي اتخذت موقفًا من قطر، وتعاوننا معها تاريخي وعميق".
هذه المواقف، تشير الى انحياز غربي لصالح السعودية والامارات، علمًا أن الاسئلة التي يشير اليها الفرنسيون هي ليست أسئلة بل هي شروط طلبتها الدول الخليجية لحل الأزمة، وتتجلى في التخلي القطري عن دعم الاخوان المسلمين بكافة فروعهم وطرد قياداتهم واغلاق الجزيرة الخ.. باختصار، المطالب الخليجية تحاول أن تقلّم أظافر قطر الاقليمية وتمنعها من اي دور سياسي أو نفوذ خارج اقليمها الجغرافي.
وهذه الاشكالية والمطالب والتهديدات المقرونة بانذار، تُحضر التاريخ وتسترجعه، وتذكرنا بالحرب العالمية الاولى، حيث استغلت الدول الاوروبية حادثة اغتيال قام بها طالب صربي لولي عهد النمسا وزوجته، لفرض شروط قاسية على صربيا، وبالرغم من الصرب التزموا بمعظم تلك الشروط إلا أن ذلك لم يمنع الحرب من أن تقع وتتحول الى حرب عالمية انخرطت فيها جميع الدول الاوروبية وسببت الضحايا والكوارث والدمار على أوروبا برمتها.
من هنا، فإن قبول قطر بتلك الشروط والتزامها بها، قد يمنعها من القيام بأي دور اقليمي مقبل، ولكنه قد لا يكون مانعًا للتدخل العسكري الخليجي أو لمحاولة قلب نظام الحكم فيها عبر تدبير انقلاب داخلي مفتعل.
ما قد يمنع المغامرة العسكرية الخليجية ضد قطر يبدو -لغاية الآن- الموقفين التركي والايراني، اللذان سيجعلانه مكلفًا الى حد بعيد ويمنعان من أن يكون الأمر نزهة سعودية أماراتية في الأراضي القطرية. ولكن، إلى أي مدى ستلعب شخصية صاحب القرار السعودي الشاب في التغاضي عن حساب الاكلاف، والى أي مدى قد يذهب ترامب في تشجيع تلك المغامرة العسكرية بهدف زعزعة الخليج وجرّ ايران الى حرب في محيطها الاقليمي تربكها قد يكون هو العامل الحاسم في مغامرة قد تبدأ بجنون ما وتنتهي بكارثة دولية تضاف الى الكارثة السورية التي افتعلها هؤلاء الأطراف أنفسهم.