ليس كلّ الدمّ "أحمر"، على الأقل في لبنان، أو ربما ليست كل الأرواح ثمينة، ولكن من يقرر "غلاوة" الروح ويثمنّها، ومن يصنف البشر بين من يستحق العدالة ومن لا يستحقها، وبين من يستحق العقاب ومن لا يستحقّه. في لبنان ما لا يتخيله عقل إنسان، فيه إبن الملك، ملك، وإبن الفقير، عبد، وفيه الملك فوق كل السلطات، فلا قانون المخدرات يطاله، ولا القانون الجزائي يعنيه، وكيف يعنيه وهو الحاكم بأمر الله على أرض لبنان.
سئمنا جرائم القتل والعدالة المنقوصة، و"اصفرّ" حلم انتظارنا للمساواة، وكثُرت دعوات الأمهات المنكوبات طلبا للعدالة، ولا زال الملك وابنه، وأحيانا أصدقاء ابنه أو شركائه بسهرات "الشمّ" وحلقات "الهوى"، فوق كل قانون. ولكن لنقلب المشهد هذه المرة، ماذا لو قُتل أحد أبناء هؤلاء الملوك بدم بارد؟.
ترى المحامية مايا جعارة أن القانون بطبيعة الحال لا يميّز بين ابن زعيم وابن فقير انما على ارض الواقع عندما تقع جريمة يكون ضحيتها ابن زعيم يزيد الاهتمام وتنشط الملاحقات واحياناً الضغوطات على القضاء. ومن جهته يعتبر المحامي علاء اللقيس أن المسؤولين في لبنان قد أصبحوا أنصاف آلهة، ويقول في حديث لـ"النشرة": "نحن نرى خلافات بين مسؤولين على افضلية مرور ونشاهد استعمال السلاح بين مرافقي المسؤولين بسبب أمور تافهة، ونسمع عن عناصر في شرطة السير قد أحيلوا على التأديب لانهم أوقفوا أحد ابناء المسؤولين بسبب مخالفته السير، ولكن عندما يكون الفعل الجرمي موجها ضدهم، فهناك ترى السرعة في التحرك والسرعة في انعقاد المحاكم وإصدار الأحكام. وفي هذه المناسبة يدعو اللقيس الى اعادة العمل بعقوبة الإعدام لأنها تخفّف من حالات الاخذ بالثأر وتقلّل الحمل والضغط الذي تعيشه مناطقنا، مشددا في نفس الوقت على ألاّ تكون العقوبة اعتباطيّة وفقط ضدّ الفقراء بل مدروسة حسب كل حالة وجريمة.
ماذا لو؟
دعونا نتخيل هذا المشهد سوية ".. وفي أحد محال السهر وقع إشكال مسلح بين مجموعة من الشبان وفلان إبن المسؤول الفلاني ، أدى الى مقتل الأخير، وعلى الفور (في ساعات الفجر) اتصل والد المغدور بوزيري الداخلية والعدل، وتلقى اتصالات مواساة من رؤساء ووزراء ونواب، وحضر الى منزله "بوسطات" مسؤولين، مع العلم أن القوى الأمنية وعناصر الجيش يطوقان مكان الحادث، وقد حضرت طوافة عسكرية تقل عناصر التحقيقات الجنائية التي باشرت بعملها، وقد تمكنت القوى الامنية من توقيف القاتل وأصدقائه واقاربه ومختار البلدة التي وُلد فيها، لامكانية عمله مسبقا بالنية الجرمية". وفي خبر ثان "سيعقد المجلس النيابي جلسة عاجلة يشرع فيها عقوبة الإعدام، فهذا أقل ما يمكن فعله للملك وأبنه المغدور".
امّا اذا كان المغدور مواطنا، فاسمعوا قصة الشهيد البطل ربيع كحيل المنتظر عدالة الوطن الذي خدمه ودافع عنه. تقول نور شقيقة ربيع في حديث لـ"النشرة": "لا يتوهمنّ أحد في لبنان ان العدالة واحدة، والمساواة موجودة، فالأموال والسلطة هما كل شيء، ومن قتل اخي اسمه هشام ضوّ ويعرفه الجميع، وهو تحت رعاية وحماية رئيس أحد الاحزاب الكبيرة في لبنان"، مشيرة الى أنه لو كان المقتول نجل أحد المسؤولين لنال المجرم عقابه خلال 24 ساعة، ولعادت عقوبة الاعدام مباشرة، اذ أن التعاطي مع المواطن العادي يختلف تماما عن التعاطي مع المسؤولين.
لن ننجح في بناء وطن ما لم تصبح العدالة معيارا موحّدا للتعاطي مع الملفّات، ولن ننعم بالمواطنة ما لم نشعر بالمساواة أمام القانون والقضاء، فهل يتحقق هذا الحلم، ونشهد تغييرا ما من خلال قضية "توقيف ابن شقيق أحد الوزراء على خلفية ملف مخدرات"؟.