قبل النيابة ومعها ثم من دونها، يكاد يكون سليم عون هو نفسه دائماً. يحدد الموعد في أحد المقاهي الجانبية الصغيرة التي لا تحمل اسماً مشهوراً، كعادة الناشطين قبل أن تغمرهم نِعم السلطة. يقود سيارته بنفسه من دون مرافقين، ويتحدث بلا تحفظ، وبإسهاب، عن صعوبة العمل السياسي من دون مال وإمكانات
غسان سعود
حين بدأ النائب نقولا فتوش التمهيد للتمديد الثالث، كان النائب السابق سليم عون أول من تقدم الصفوف العونية للرد عليه. وحين حاولت القوات اللبنانية وضع العصي في دواليب التيار الوطني الحر الكهربائية، كان أيضاً أكثر من قسا عليهم في الردِّ. لكن ميزة عون التي تزداد وضوحاً هذه الأيام، أنه قادر على قول ما يفكر فيه من دون أن يقطع تواصله مع أيٍّ من الأفرقاء.
ومَن يدقق في الخريطة الزحلية، يلاحظ أن علاقة القوات والعونيين جيدة، لكن العلاقة سيئة بين القوات والكتلة الشعبيية، كما بين القوات وفتوش. كذلك إن علاقة الكتلة بكل من تيار المستقبل والعونيين وحركة أمل وحزب الله جيدة، لكنها سيئة أو باردة مع المجلس البلديّ والقوات وفتوش. دائماً، ثمة فريقان مختلفان في المدينة. أما سليم عون فنبتت له عشرات الأذرع ليعانق في الوقت نفسه كلاً من المجلس البلدي والمطرانيات والرهبانيات والكتلة الشعبية وفتوش والقوات اللبنانية والطاشناق وحزب الله وتيار المستقبل ومعظم المستقلين الجديين. ورغم حؤول قانون الانتخاب الجديد دون إمكان قيام تحالفات شاملة، يؤكد النائب السابق أن التيار الوطني الحر يجب أن يعزز نقاط الالتقاء مع الجميع، معتبراً أن المعركة ضد تيار المستقبل كانت لها موجبات عام 2005 «لكننا نبني اليوم مشروعاً مشتركاً أوسع»، و«علاقتنا مع المستقبل جيدة جداً؛ السؤال كيف نجمع المستقبل والقوات وسائر الأفرقاء الجديين»، في ظل تكرار عون القول إن الحديث عن الانتخابات قبل تحديد القانون «يدخلنا في فرضيات لا تخلص».
سليم عون الذي رافق التيار الوطني الحر منذ نشأته، وكان دائماً أحد أبرز الوجوه العونية الزحلية، يرى أن وضع التيار «في تحسن» في زحلة. «شعبية التيار جيدة، لكنّ هناك تراخياً لأسباب داخلية تنظيمية لا سياسية». و«كتّر خير من يؤيدوننا؛ الرأي العام يعطينا أكثر مما نستأهل». ورداً على سؤال بشأن اكتفاء التيار بمآدب العشاء الموسمية فيما ينظم الأفرقاء الآخرون المهرجانات السياحية والأعراس الجماعية وعشرات الأنشطة الدورية، يكرر عون الحديث عن «فقر الحزب»، مذكراً بأن شباب التيار باعوا «تانغ» على الطرقات لتمويل حملته عام 2005، فجمعوا خمسة ملايين ليرة في يوم واحد، وكانوا يبيعون الخضر على الطرقات، وينظمون الحفلات في مناسبات عيد الميلاد ورأس السنة وعيد الجيش، لكن الأمور تغيرت اليوم بسبب القلة وضغط الوقت. يؤكد عون أنه قرر منذ عام 2010 عدم الانخراط تنظيمياً بشؤون التيار لعدم الدوران في الحلقة نفسها، مفضلاً التفرغ لتوطيد علاقته كعونيّ مع غير الحزبيين. ويقول إن اللياقة عنوان النجاح السياسي في زحلة، فالزحلي إذا خدمته ولم تكن لائقاً معه سينقلب فوراً ضدك، وهو لا يحقق اليوم نصف الطلبات التي ترده، لكن من يقصده يعلم أنه صادق وسيحاول خدمته. و«اتكلت على الوقت، تعرضت لظلم كبير وحملات إساءة لكني راهنت على الوقت وعلى ثقتي بانتصار الزحليين لمن يثبت صدقه». وهو بالمناسبة توقف عن عمله الهندسي الذي أسسه منذ أواسط الثمانينيات، و«لا يمكن أحداً القول إنني أخذت التزاماً أو عقدت صفقة». فهو يواصل الصرف من مدخراته، ولا يخفي أن لديه تراجعاً كبيراً في أسلوب حياته، لكنه اختار هذا الطريق بملء إرادته وفق قوله. ويؤكد عون في هذا السياق أن العمل السياسي ممكن في زحلة من دون مال انتخابي خلافاً لكل ما يشاع منذ عقود. وهو واثق اليوم من أنّ مَن يقوم بواجباته السياسية والحزبية والاجتماعية خلال أربع سنوات لا بدّ أن يجد نتيجة إيجابية في النهاية. ولا بدّ من القول إن الرئيس ميشال عون خص النائب الزحلي السابق بمعاملة يمكن وصفها بالاستثنائية، فطوال السنوات الماضية حافظت علاقة «العونَين» على استقرارها، ونادراً ما عقد الرئيس أي اجتماع أو لقاء زحلي دون أن يدعو نائبه السابق لحضوره.
انتخابياً وبعد جهد كبير يمكن «سحب» بعض المعلومات من سليم عون الذي يقول في سياق الحديث إن زحلة وكل قواها السياسية مطالبة بإعادة الاعتبار للوزير الراحل الياس سكاف ممثلاً برئيسة الكتلة الشعبية السيدة ميريام سكاف. وبرأيه، إن القوات مطالبة بتفهم خصوصية زحلة التي يمكن تشبيهها بالمصاب بالسكري الذي يمكنه مواصلة حياته بشكل طبيعي في حال التزامه التوازن الغذائي أو تتحول حياته جحيماً إن أوهم نفسه بأنه بألف خير ولا لزوم للحمية، مشيراً في سياق آخر إلى أن علاقة التيار بمعظم المستقلين ــ يتقدمهم رجل الأعمال ميشال ضاهر ــ جيدة جداً. ويقول أخيراً إن التحالف مع كل من حزب الله وتيار المستقبل «سياسي وانتخابي على امتداد الوطن».