لا يعدّ المجيء الى لبنان لقضاء موسم اصطياف أو زيارة الأهل والأقارب من حين لآخر أمراً سهلاً بالنسبة للمغترب اللبناني الذي لا تكفيه رواتب أشهر في الخارج ثمناً لزيارة بلده الأم لبضعة أسابيع. هذه هي حال سامي (اسم مستعار) المغترب اللبناني الذي يعيش في فرنسا مع عائلته المؤلفة من زوجة وأربعة أولاد. فقد قررت العائلة التوجه الى لبنان لتمضية الإجازة الصيفية وزيارة الأهل والأقارب، ولكن الكلفة غيّرت الخطّة.
يشير سامي الى أنه "توجّه الى شركة السفر للسؤال عن العروضات والأسعار، فكانت المفاجأة بأن ثمن تذاكر السفر الى لبنان ستكلّف بحدود الـ4 آلاف يورو، هذا دون أن نتحدّث عن المصاريف التي نحتاجها في لبنان حتى لو كان لدينا منزلا نسكن فيه ولا نحتاج الى حجز في فندق"، ويلفت الى أنه "غيّر مشروعه بالمجيء وقرّر البحث عن بلد آخر أقل تكلفة فكانت برشلونة الاسبانية التي لن تكلّفه في رحلة كاملة نصف المبلغ الذي سيدفعه في لبنان ثمناً لأسعار تذاكر السفر فقط".
في هذا الإطار تشرح أ. ف. المسؤولة عن احدى شركات السفر في فرنسا، وضع الرحلات من فرنسا الى الدول الأخرى، لافتةً الى أن "لبنان من أغلى البلدان، وثمن بطاقة السفر اليه تكلّف ضعف المبلغ الذي قد يدفعه شخص يريد التوجّه الى أوروبا أو حتى الى بلد يبعد عن فرنسا نفس المسافة التي تبعد فرنسا عن لبنان، كتركيا مثلا"، فيما تشدد على أن "اسعار الفنادق والمطاعم في لبنان مرتفعة جداً لدرجة أننا لم نتمكن منذ العام 2006 من الحصول على العروضات في لبنان بخلاف بقية البلدان التي تقدم العروض لتشجيع السفر اليها".
تجري ف. مقارنة بسيطة بين بلدين يبعدان عن فرنسا نفس المسافة، لبنان وتركيا أو قبرص (بحدود 4 ساعات)، لافتةً الى أن "الرحلة من باريس الى بودروم في تركيا تكلّف قرابة 860 يورو (تتضمن حجز فنادق...)، من باريس الى آيانابا في قبرص بحدود 1170 يورو (تتضمن حجز فنادق...) في حين أنها من باريس الى لبنان تكلّف أكثر من 1400 يورو للشخص الواحد (تتضمن حجز فنادق...)"، ومشيرةً الى أن "من يريد السفر الى لبنان من أي بلد أوروبي فإنه سيتكلف مبلغًا كبيرًا ممّا قد يجعله يغيّر وجهة سفره الى بلد آخر كبرشلونة في اسبانيا، حيث أن الرحلة الى هناك من فرنسا لن تكلّفه أكثر من 500 يورو (تتضمن تذاكر سفر، حجز فنادق...)، في حين إذا اراد السفر من باريس الى أي بلد يبعد نفس المسافة الفاصلة بين باريس وبيروت ستكون رحلته أيضًا أقل كلفة"، شارحةً أن "السبب يعود الى الارتفاع في أسعار بطاقات السفر والفنادق والمطاعم في لبنان"، على الرغم من أنّ لبنان هو حاليًّا الأكثر أمنًا من أوروبا مجتمعةً في ظلّ الاقليم المشتعل.
هذه المسألة تأخذ حالياً جدلاً كبيراً في الأوساط اللبنانية، واهتماماَ خاصاً لدى بعض الوزراء أبرزهم وزير الدولة لشؤون مكافحة الفساد نقولا تويني الذي يؤكد عبر "النشرة" أن "لدينا مشكلة كبيرة في استقطاب المغتربين اللبنانيين مع ارتفاع الأسعار"، متسائلا "لماذا تذكرة السفر من باريس الى لارنكا في قبرص وهي تبعد نفس المسافة من باريس الى لبنان هي أقل بحوالي 30 الى 40 بالمئة عن ثمن التذكرة من باريس الى لبنان رغم أننا نستعمل نفس (الفيول) للطائرات"؟، ومشدداً على أن "ارتفاع الاسعار يدفع بالمغترب اللبناني الى التفكير مئات المرات قبل المجيء الى بيروت مفضلاً التوجّه الى أي بلد آخر أقل كلفةً"، كاشفاً أنه "وجّه كتاباً الى وزارة الاقتصاد ووزارة السياحة يتحدّث فيه عن هذه المشكلة ويطلب التحرك السريع لحلّها خصوصاً وأننا على أبواب موسم سياحي". بدوره وزير الاقتصاد رائد خوري وهو المسؤول عن مراقبة الأسعار يؤكد على وجود "مشكلة حقيقية في مسألة ارتفاع ثمن تذاكر السفر"، مشيراً الى أن "هذا الأمر يضرّ بالسياحة في البلاد وينعكس سلباً على تحريك عجلة الإقتصاد في لبنان"، فيما يعتبر أن "اسعار المطاعم والفنادق لا تعتبر مرتفعة نسبة للخدمة التي يقدّمها لبنان والمميّزة عن باقي البلدان".
بعد هذا السرد كلّه تعلّق مصادر مطلعة على قطاع السياحة بالقول ان "الدولة اللبنانية تتّكل على السوّاح الخليجيين الذين لم يعودوا بعد الى لبنان بالأعداد التي كانوا يأتون بها، وتصرف النظر عن المغترب اللبناني الذي يجب أن توليه إهتماماً خاصًّا"، سائلة: "لماذا لا تقوم الدولة بعروضات لتشجيع مجيء المغترب كإعطاء أسعار خاصة تشجيعية للطلاب الذين يتابعون دراستهم في الخارج أو للعائلات بحيث يدفع الفرد الرابع في العائلة ثمن نصف تذكرة الى لبنان"؟. وهل فعلا كما قال أحد المغتربين بأن كل ما يريده منا مسؤولو الدولة هو أصواتنا في الإنتخابات فيما ينسون وجودنا في معظم الأوقات؟.