«أزيلوها من النفوس قبل إزالتها من النصوص».
تلك كانت العبارة الأثيرة لدى المرحوم الشيخ بيار الجميل الرئيس المؤسس لحزب الكتائب اللبنانية. فكلّما أثير موضوع الطائفية السياسية وضرورة «الطلوع» منها كان يستل ذلك الجواب من أدبياته كمن يستل سيفاً من قرابه.
يومها، وحتى رحيل الجميل الجدّ في العام 1984، لم تكن الطائفية تفتك في الجسم اللبناني كما في العقود الأخيرة. وحتى ايام حرب السنتين وما تلاها، والمعارك والمجازر بقي حدٌّ أدنى من التماسك الوطني. أما في هذه الأيام فليست الطائفية وحسب ما يتحكّم بالمشهد العام في البلد، بل المذهبية ايضاً.
وفي قراءة متأنية للوضع الداخلي يتبيّن أنّه يصح القول الحاسم: «فتش عن الأجنبي»، أجل، إبحث عن الخارج سيّان أكان غريباً أم شقيقاً. وربما كان بعض الأشقاء أشدّ وطأة، وأكثر قساوة، وأبعد مدى في أساليب الضغط والقهر والظلم. حتّى ليصح فينا وفيهم القول السائر جداً للشاعر طرفة بن العبد في معلّقته الشهيرة التي مطلعها: «لخولة أطلالٌ ببرقةِ ثهمد / تلوحُ كباقي الوشم في ظاهر اليد»... وفيها البيت الشهير: «وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة / على المرء من وقع الحسام المهنّد».
نقول فتّش عن الأجنبي لأنه قبل المداخلات الأجنبية المستمرة من دون إنقطاع، منذ العثملي حتى زمن الوصاية مروراً بالمنتدب الفرنسي والأشقاء (...)، لم يكن اللبنانيون يعيشون هذه الحال الطائفية التي «تطوّرت» فأصبحت مذهبية كذلك منذ أن أخذت الفتنة السنيّة - الشيعية مداها مع الصراع الإيراني - الخليجي منذ سقوط حكم الشاه.
وقد لا نستغرب هذا الشدّ بالحبال في صميم معركة قانون الإنتخاب وعلى هامشها. ولقد يكون في نشوء الثنائيات، ذات الطابع الطائفي - المذهبي، خير دليل على أنّ الأمور تتمادى في هذا المسار بما ينذر بأنّ متغيّراً مصيرياً قد يفرض ذاته.
وعليه فإنّ الكلام الكبير الذي سمعناه من رئيس مجلس النواب منذ تباين المواقف من السلّة وما تلاه من تباين إستمر طويلاً حول تشكيل الحكومة، وأخيراً التباين الكبير والمستمر حول قانون الإنتخاب (...) هذا الذي سمعناه تضمن كلاماً بالغ الخطورة من نوع «الحرب الأهلية» و«التقسيم»... وما الى ذلك من العبارات التي حذّرت منها شخصية بارزة من مستوى الرئيس نبيه بري، أي انه ليس من هواة اطلاق الكلام على عواهنه من دون دراسة و... دراية.
وإذا كان بري قال ما قاله، في حينه علانية، فها هو اليوم (ومعه الشق الثاني من الثنائي الشيعي: حزب اللّه) يحذران من أن الفراغ لن يقتصر على المجلس النيابي وحده بل سيشمل الكل، لأنّ رئيس الجمهورية سيكون عاجزاً عن أي إنتاج في غياب مجلس النواب وتجميد عمل الحكومة بشكل حاسم.
ويبدو أن مثل هذا التحذير لم يلقَ آذاناً صاغية لدى البعض بدليل أن ما يتردّد في الغرف المقفلة هو من نوع: «ومن شو بتشكي الفيدرالية؟ وأي بلد متقدم في العالم ليس فيدراليا؟ ومن شو بتشكي الولايات المتحدة الأميركية وسويسرا وألمانيا وروسيا (و ...)؟».
فهل دخلنا في مرحلة الكلام الكبير... في هذه اللحظة الحرجة لبنانياً وإقليمياً ودولياً؟!.