مع اقتراب موعد 20 يونيو حزيران آخر مهلة دستورية للتوصل إلى قانون جديد للانتخابات يقره البرلمان اللبناني، وإلاّ دخل لبنان في الفراغ، تسارعت الاتصالات والمشاورات واللقاءات بين الأطراف السياسية لتقريب وجهات النظر بما خص القانون الجديد ليجري إقراره في جلسة يعقدها المجلس النيابي، بعد أن دعا رئيس الجمهورية إلى فتح دورة استثنائية للبرلمان من 7ـ إلى 20 يونيو حزيران ودعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة عامة في 12 الشهر الجاري لهذا الغرض.
ولأول مرة تظهر مؤشرات تفاؤل بالتوصل إلى اتفاق على قانون جديد، بعد أن أعلنت الأطراف الأساسية المكونة للحكومة والبرلمان، من قصر بعبدا أنها توصلت إلى اتفاق على قانون يعتمد النسبية الكاملة في 15 دائرة انتخابية ولم يبق سوى بعض النقاط التفصيلية التي تحتاج إلى اتفاق عليها وأهمها طريقة احتساب الأصوات والصوت التفضيلي وإدخال تعديلات على الدستور لناحية تثبيت المناصفة حتى بعد تطبيق نظام المجلسين الذي نص عليه الطائف مجلس نواب وطني ومجلس للشيوخ على اساس طائفي.
على أن المتابع يتبين له أن موضوع الاحتساب يمكن الاتفاق عليه وكذلك الصوت التفضيلي وهو ما أظهرته النقاشات لكن النقاط التي تجعل من الصعوبة بمكان التوفيق فيها هي تعديل الدستور لناحية تثبيت المناصفة بعد اقرار نظام المجلسين وتخصيص 20 مقعدا التي اضيفت بعد اقرار الطائف، للمغتربين والكوتا النسائية والذين يترشحون خارج القيد الطائفي.
فهذه النقاط عدا عن كونها تتطلب وقتا للاتفاق عليها فإن بعضها مرفوض تماما من قبل أطراف عديدة لا سيما تثبيت المناصفة بعد تطبيق نظام المجلسين لان من شأن ذلك تكريس الطائفية للأبد واسقاط بند الغاء الطائفية من دستور الطائف.
لكن هل فعلاً سيتم الاتفاق على مثل هذا القانون وإقراره وبالتالي المصادقة على تمديد تقني لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر، للإعداد للانتخابات على أساس القانون الجديد؟
أم أن التفاؤل بحصول اتفاق سرعان ما يتلاشى وتعود الأمور إلى نقطة الصفر كما حصل طوال الفترة الماضية؟.
الواضح هذه المرة، أن الأمور مغايرة، وأن التفاؤل باحتمال أن يتم الإعلان عن اتفاق على القانون الجديد له أسبابه المتعددة التي يمكن إجمالها بالآتي:
أولاً: إن الأطراف الأساسية التي تحظى بالأغلبية في البرلمان، وموافقتها على القانون شرط أساسي لأن يبصر النور، لا ترى مصلحة بحصول الفراغ، الذي سيؤدي إلى تفاقم الأزمة في البلاد الأمر الذي سيلحق الضرر بالجميع دون استثناء..
ثانياً: إن الأطراف التي كانت تتمسك بقانون الستين لم تعد ترى مصلحة فيه خاصة تيار المستقبل الذي وبعد دراسة للواقع الانتخابي في الدوائر المختلفة وجد انه سوف يخسر العديد من المقاعد في الكثير من الدوائر إن في طرابلس أو البقاع أو بيروت وسيكون مجبراً على تقديم التنازلات لضمان عدم الخسارة في طرابلس على سبيل المثال.
أما التيار الوطني الحر فانه أعلن مبكراً رفض الستين وإذا ما جرت الانتخابات على أساسه فانه سوف يتهم بأنه تخلى عن مطالبته بالإصلاح والتغيير وسيفقد بريقه، عدا عن انه سيشكل مقتلاً له لأن هناك العديد من النواب المسيحيين الذين يطالب التيار باستعادتهم سوف يأتون بأصوات تيار المستقبل أو غيره من المعارضين للتيار الوطني من القوى الأخرى.
ثالثاً: أما حزب الله وحركة أمل فإنهما بالأصل ليس لديهما مشكلة مع أي قانون يعتمد، هذا إلى جانب تأكيدهما المستمر على ضرورة اعتماد قانون جديد على أساس النسبية الكاملة باعتباره الافضل لتحقيق صحة وعدالة التمثيل.
رابعاً: وجود رأي عام، تمثله أحزاب وقوى وطنية وهيئات مجتمع مدني، ومستقلين، يطالب باعتماد قانون انتخاب على أساس لبنان دائرة وطنية واحدة وعلى قاعدة النسبية، كما يطالب بتطبيق المادة 22 من الدستور اللبناني التي تنص على انتخاب مجلس نواب وطني ومجلس للشيوخ على أساس طائفي، وهذه القوى والأحزاب والهيئات ترفض أي قانون يعيد إنتاج قانون الستين إن كان تحت اسم القانون المختلط أو غيره.
انطلاقاً من هذه المعطيات يمكن تفسير التفاؤل القوي بقرب الإعلان عن ولادة اتفاق على قانون جديد للانتخابات قبل 20 حزيران الجاري، وبالتالي يتدارك لبنان تجرع كأس الفراغ.
ومع ذلك لا يجب استبعاد أن يؤدي الإصرار على إدخال تعديلات على الطائف في الربع ساعة الأخير، كما طالب رئيس التيار الوطني جبران باسيل الأمر إلى تطيير الاتفاق وضياع فرصة تجنب الفراغ وما يعنيه من تفاقم الأزمة.
إذا من الواضح أن لبنان يقف على مفترق طرق، إما الاتفاق على القانون الجديد، وتذليل المسائل الخلافية المرتبطة بالصوت التفضيلي وطريقة الاحتساب، وتجاوز مسألة تعديل الطائف، أو اندفاع الأمور نحو مزيد من التأزم وصولاً إلى الفراغ الذي سيفاقم الأزمة التي لا يمكن الخروج منها إلا بإصلاح حقيقي يتيح إمكانية تداول السلطة وانطلاق الحياة السياسية ودور أجهزة الرقابة والمحاسبة.