كل شيء مدروس ومحسوب قانونياً ورسمياً وملف تصنيف الدول الداعمة للإرهاب من الدول المساندة له يبدو أبرز الأوراق التي يتوجب تلميعها قبل البدء الجدي بأي تطور دبلوماسي أو سياسي يأخذ المنطقة نحو الاصطفاف الجديد الذي فرضته ظروف الحرب لسبع سنوات. تبدو قطر اليوم، كما اشار الرئيس دونالد ترامب متهمة بدعم الإرهاب. هذا ما أكده لدى ملاحظته تصويب القادة العرب اثناء إلقاء كلمته بقمة الرياض وتناوله الداعمين للإرهاب.
قضي الأمر، وتم إيجاد مخرج لهذه الازمة الكبرى التي برزت في عهد الرئيس الأميركي باراك اوباما الذي جوبه بـ «فيتو». وهي من المرات النادرة بوجه الكونغرس وتتعلق بقانون «جاستا» الذي أصاب الرياض بمقتل.
واستذكاراً يُعتبر جاستا JASTA – «اختصاراً لـJustice Against Sponsors of Terrorism Act . وهي الدول التي تدعم الإرهاب بالعين الأميركية والتي يمكن محاسبتها. وهو القانون الذي وجد فيه بعض الباحثين الأميركيين وسيلة أميركية جادة لابتزاز الدول التي تدعم الإرهاب مالياً. وإذا صح هذا، فإن ما يجري اليوم والصفقات المالية الكبرى التي تمّت خلال زيارة ترامب للمملكة العربية السعودية اعتبرت الصفقات الأكبر تاريخياً، إضافة الى التركيز على اعلان السعودية خلال زيارة ترامب مركزاً شرق أوسطياً مكرساً لمكافحة الإرهاب والتوعية ضده والعمل على مكافحته، فيما شكّل «دهشة» عند بعض الأميركيين أنفسهم الذين توقفوا عند إعلان الرئيس الأميركي باراك اوباما
الذي وثق موقفه قبل مغادرته الحكم وتجربته في ما اسمي «عقيدة اوباما» للصحافي الأميركي جيفري جولدبرغ – مجلة «ذا أتلانتك»، وحينها قال أوباما بوضوح إن السعودية تدعم الوهابية ومشايخ إسلاميين وعرب، بينهم من اندونيسيا وباكستان وغيرهم من الدول المنضوية تحت هذا المفهوم. وكان هذا الكلام محطّ قلق سعودي كبير ورفض رسمي بالغ.
الاختلاف في التعاطي بين الرئيس دونالد ترامب والرئيس باراك أوباما ليس بعيداً، كما يبدو فالأول أراد تلميع صفحة السعودية، والثاني عبّر عن موقفه الحقيقي ناصحاً الكونغرس بعدم التصويت ضد السعودية لاعتماد قانون جاستا، لكن من دون أن يجدي الفيتو الذي وضعه أوباما على هذا القانون نفعاً، حيث استطاع الكونغرس تمريره بالموافقة مرة ثانية بأغلبية تفوق الثلثين، من مجلسي النواب والشيوخ، ومن ثم تم إبطال مفعول فيتو الرئيس، وأصبح قانوناً سارياً المفعول وبقيت الرياض على ما يبدو شديدة التحفظ والقلق حتى انكشاف الأمور بعد زيارة ترامب الى المنطقة.
المادة الثالثة من قانون جستا -jasta تعتبر، حسب ما يتداول رسمياً أن «بعض المنظمات الإرهابية الأجنبية ناشطة من خلال أفراد أو مجموعات تابعة لها في جمع مبالغ ضخمة خارج الولايات المتحدة وتوظيفها لاستهداف الولايات المتحدة. وحسب المادة نفسها من هذا القانون لن «تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأميركية في أي قضية تتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من دولة أجنبية، نظير إصابات مادية تلحق بأفراد أو ممتلكات أو نتيجة حالات وفاة تحدث داخل أميركا وتنجم عن فعل إرهابي أو عمليات تقصيرية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية أو من أي مسؤول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغض النظر، عما إذا كانت العمليات الإرهابية تمّت أم لا. وقد منحت هذه المادة المواطن الأميركي حق تقديم دعوى ضد أي دولة أجنبية.
من جهتها تقول المادة الخامسة من «جاستا» -jasta إن الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تساهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو منظمات تشكل خطراً داهماً وارتكاب أعمال إرهابية تهدد سلامة مواطني الولايات الأميركية أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها، يتوقع جلبها للمثول أمام المحاكم الأميركية للرد على أسئلة حول تلك الأنشطة.
مقاضاة الدول تثير القلق في المملكة العربية السعودية التي تجد في خطوة الكونغرس سابقة قد تؤسس لعدائية تجاه الشعبين، خصوصاً أن المسألة تتعلق بحق مقاضاة العائلات المتضررة للمملكة. وهذا قابل لأن يصبح مفهوماً يسحب البساط من تحت السعودية ونظامها. وعلى هذا الاساس جهدت المملكة لإقناع الإدارة الحالية بجدوى تلميع الصورة لقاء الامتثال لكل ما يطلبه الرئيس الأميركي الجديد الذي كانت الرياض اكثر من «تهيب» فوزه اصلاً. وهنا تصبح قطر واقعة ايضاً ضمن هذا المأزق نفسه. فهي الجهة المعتمدة لهذا التلميع اضافة الى الاسباب السياسية الاخرى التي عززت من الفرقة خليجياً وجعلت الدوحة «صندوق مهملات» السعودية ونشاطها المدعوم دولياً.
السؤال حول إمكانية تخلص المملكة السعودية من مفاعيل قرار جستا غير موثوقة حتى الساعة رغم استقدام الاموال وفرص العمل التي يعد بها الرئيس الأميركي من أجل تطوير وتحسين الاقتصاد الأميركي لأسباب متعددة منها «عدم اطمئنان ترامب لحكمه وثبات ادارته حتى الساعة. والأهم من كل هذا معارضة الكونغرس الأميركي لأغلب نشاطه، حيث كان يلفت معارضة اعضاء الكونغرس الجمهوريين لترشحه أي اعضاء الحزب الذي ينتمي اليه نفسه. وهذا كله يشكل عقدة جديدة بوجه السعودية وتلميع الصورة سريعاً إلا اذا نجحت خطط ترامب محلياً واستطاع كسب رضى الأميركيين واعضاء الكونغرس أو على الأقل ضمان تصويتهم على ملف حساس من هذا النوع وهو الأمر غير المأمول حتى الساعة.