"تخيّل أن تُرغم على السهر والموسيقى الصاخبة في كل يوم، وأن تخاف مغادرة المنزل ليلا كل لا تقضي ساعات باحثا عن موقف للسيارة، وأن تمنع أولادك من الخروج ليلا خوفا من تعرضهم لمشاهد قاسية"، هكذا بدأت إحدى ساكنات منطقة ​مار مخايل​ الجميزة حديثها.

تشرح تلك المرأة المعاناة اليومية لسكان المنطقة، فالنوم قبل الثالثة صباحا شبه مستحيل، وفي بعض الاحيان لن يكون النوم متاحا من دون أقراص منومة، والسبب في ذلك هو "الحانات" والمطاعم المنتشرة "كالنمل" في مار مخايل والموسيقى الصاخبة التي تنتج عنها لأوقات متأخرة من الليل. يصل عدد المطاعم والحانات في ذلك الشارع الى 150، دون مراعاة للقوانين والانظمة النافذة، وأهمها كما تقول المحامية مايا جعارة "أن تكون في بناء مستقل أو بناء تجاري وأن تكون في الطوابق الارضية، كما يشترط أيضا أن تكون المسافة الفاصلة بين الحانتين 50 مترا كحدّ أدنى"، وهذا ما لا يتوافر اطلاقا في مار مخايل.

وتضيف جعارة في حديث لـ"النشرة": "الصمت ليس برفاهية فهو حق اساسي ممتد من حق السكن، وهو اساسي لعملية التفكير وتعزيز الابداع والابتكار، فعنصر السكينة يجلب الراحة والنوم والحرمان منه يؤدي الى أضرار جسدية ونفسية ومعنوية"، مشيرة الى أن الدساتير والقوانين شددت على حق الملكية وحق السكن، وهما يستتبعان حتما بالحق بالتمتع بهما ضمن الشروط التي تؤمن السلامة الجسدية والنفسية وتوفر الراحة والصحة. وتقول جعارة: "إن المادة 14 من الدستور تنص على أن "للمنزل حرمة ولا يسوغ لأحد اليه الا في الاحوال والطرق المبنية في القانون"، ولكن في مار مخايل أصبحت ليالي السكان فيه محكومة بوطأة السهر وضجيج الحفلات وما يتفرع عنها من ممارسات مزعجة للغاية.

بالحديث عن الممارسات المزعجة تكشف إحدى ساكنات الحي أن الموسيقى ليست سبب القلق الوحيد للأهالي، فالمشاهدات التي نُجبر على رؤيتها قد تكون أقسى في بعض الاحيان. وتقول لـ"النشرة": "تزعجنا مناظر "السكر" وما يرافقها من ممارسات بشعة تصل الى حد ممارسة الجنس على أدراج الأبنية وخلف جدران المنازل، وترعبنا رؤية "الأبر" المستعملة في تعاطي المخدرات"، مشيرة الى أن هذه الأمور وصلت الى حد لم يعد يطاق.

أمام هذا الواقع، وعدم التزام أصحاب الحانات بالأنظمة، وغياب المتابعة القانونية، قرر سكان مار مخايل التحرك، فشكّلوا لجنة تضم عددا منهم، وتوجهوا بعريضتين موقعتين من الأهالي، الأولى باتجاه محافظ بيروت زياد شبيب، واعضاء مجلس بلدية بيروت، والثانية باتجاه وزير السياحة أفيديس كيدانيان، وفيهما أن المطالب الأساسية للسكان الذين لم يطلبوا يوما إقفال الحانات والمطاعم بل مراعاة حقوقهم في: "النوم"، الوصول الى بيوتهم ليلا دون عرقلة للسير من قبل حواجز "الفاليه باركينغ"، "الراحة والهدوء". ينتظر الاهالي تحرك الجهات الرسمية المولجة حماية حقوقهم، وفي هذا الإطار تقول جعارة: "المطلوب اليوم من السلطات العامة ولا سيما وزارة السياحة ومحافظة بيروت التشدد في تطبيق القوانين والأنظمة، وحل هذه المشكلة المستعصية التي تتفاقم يوما بعد يوم". وتؤكد جعارة أن الحل يكون بإجراء كشوفات ومراقبات يومية واتخاذ اجراءات صارمة تصل الى اقفال الحانات المخالفة.

علمت "النشرة" أن عددا من الحانات في مار مخايل لم تلتزم بالتراخيص الممنوحة لها، فعندما يُعطى الترخيص "لمطعم"، أو "صالة شاي" لا يمكن تحويلها لحانة تُقدّم فيها المشروبات على وقع الموسيقى الصاخبة. فمن يتدخل لحماية سكان المنطقة، خصوصا وأن القوى الأمنية لم تتحرك بشكل فعال رغم شكوى الأهالي؟.