قد يصح توصيف العلاقة التي تجمع "التيار الوطني الحر" بـ"تيار المستقبل" منذ السير بالتسوية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية وبسعد الحريري رئيسا للحكومة بـ"السمنة على العسل". فالفريقان اللذان لطالما كانا عدوّان لدودان طوال المرحلة الماضية لحدّ انصراف التيار لاعداد كتاب "الابراء المستحيل" الذي يوثق كل ما قال انّها "ارتكابات الفريق الأزرق وبخاصة تلك المالية على مدى عشرات السنوات"، تحولا اليوم أشبه بحليفين ينسّقان الملفات ويتفّقان على معظمها من دون الكثير من الأخذ والرد والنقاش. ولعل ملفي الكهرباء وقانون الانتخاب أبرز التجارب الناجحة التي مر فيها الثنائي المستقبل–الوطني الحر والتي بيّنت ان العلاقة بينهما انتقلت الى مرحلة غير مسبوقة من الانسجام فاقت وبأشواط الانسجام الحاصل بين التيار والقوات اللبنانية.
والمثير للدهشة انه على الرغم من بعض الخلافات وتنظيم الاختلافات بوجهات النظر في علاقة الثنائي المسيحي، هزّ ملف الكهرباء صورة هذه العلاقة وهو الّذي تفجّر على المنابر الاعلاميّة بعد اصرار "القوات" على تظهير ما اعتبرتها "أخطاء" الوزير العوني عبر الاعلام، ومن خلال مؤتمرات صحافية رنّانة، كما بعيد اتهام التيار للقوات بالتراجع عن تفاهمهما على السير بالصوت التفضيلي على اساس القضاء في القانون الانتخابي المتفق عليه، فيما بقيت علاقة المستقبل–التيار ثابتة حتى ان نواب وقياديين مقربين من الحريري لم يترددوا بالدفاع عن الخطة التي أعدها وزير الطاقة سيزار ابي خليل، بعدما كان قطاع الكهرباء احد ابرز القطاعات التي يحمّل العونيون مسؤولية ترديه للتيار الأزرق.
ولم تقتصر التفاهمات بين رئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل ومدير مكتب رئيس الحكومة نادر الحريري على ملفي الكهرباء وقانون الانتخابات بل تعدتها لملف استراتيجي ورئيسي، هو الآخر لطالما كان محط نزاع بين الفريقين، الا وهو تجديد ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. فبعدما ظن الكثيرون ان "امبراطورية" الحاكم انتهت بعيد وصول العماد عون الى سدة الرئاسة، تبين ان هناك اتفاق جديد بين الطرفين على الابقاء على سلامة بموقعه رغم كل الانتقادات التي طالته من جهات عونية طوال السنوات الماضية، اعتبرت بوقتها انّه كان ينفذ سياسة الحريري المالية التي لا يؤيدها التيار.
ولعل هذه الجردة البسيطة تظهر الحلف العوني–المستقبلي المستجدّ منافسا جديا بتماسكه للحلف السياسي الأقوى القائم في البلد والذي يجمع رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب وليد جنبلاط. وقد تكون العاصفة التي مرت بها علاقة جنبلاط-الحريري مؤخرا وان هدأت من دون ان تنتهي، انعكست ايجابا على علاقة عون–الحريري، حيث يبدوان أكثر تصميمًا من اي وقت مضى على وضع استراتيجية موحدة لقيادة البلاد في المرحلة المقبلة يدا بيد من دون استبعاد أن ينسحب التحالف المستجد بينهما على عملية تشكيل اللوائح في الانتخابات النيابية المقبلة. وفي هذا السياق تتلاقى مصادر الطرفين على التأكيد ان ما بينهما لا يرتقي الى مستوى الحلف، وبالتالي لا يزال من المبكر الحديث عن تحالف انتخابي او سياسي، جازمة بالوقت عينه بأن العلاقة التي تجمع التيارين البرتقالي والأزرق لم تصل يوما الى هذا الحد من التعاطي الايجابي والانسجام.
ويبقى المؤكد، ان ما قد يبدو انجازا بالنسبة لقيادتي التيار الوطني الحر والمستقبل بحصر الخلافات والتأسيس لمرحلة جديدة من التعاون، ليس كذلك بالنسبة لقسم كبير من جمهور التيارين الذي يعتبر انّهما انقلبا على مبادىء خاضا على اساسها المواجهة السياسية طوال الأعوام الماضية، فاذا بهما ومن دون مقدمات يتلاقيان باطار سياسة التقاء المصالح!. فهل يفتحان الطريق بينهما الى زواج ماروني أم أنها علاقة عابرة؟.