ما زالت الأزمة الخليجية تتفاعل بدخول لاعبين جدد على الأزمة، وقيام كل من ايران وتركيا بحماية قطر ومنع مغامرة عسكرية خليجية بتدخل عسكري مباشر كان قد تردد أن السعوديون وحلفاؤهم من دول الخليج ينوون القيام به لتأديب قطر، أو تدخل خليجي غير مباشر عبر دعم انقلاب من داخل قطر يطيح بالشيخ الشاب تميم لصالح شخص آخر من العائلة الحاكمة، أو حتى تبديل هوية الأسرة الحاكمة بمجملها.
تجدر الإشارة الى أن الصراع القطري الخليجي الذي يتخذ خطوات تصعيدية في هذه الفترة، ما هو إلا استمرار لما بدأ عليه الربيع العربي من سنوات ست، وذلك على الشكل التالي:
بدأ الثورات في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن، وسارت التظاهرات في الاردن للإطاحة بحلفاء السعودية أو ما كان يُسمى قديمًا "محور الاعتدال" في الصراع العربي الاسرائيلي، وكانت نتيجة تلك الثورات تنصيب الإطاحة بحلفاء السعودية وتنصيب قادة الإخوان المسلمين، أو ما أسماه الرئيس الأميركي باراك أوباما "الاسلام المودرن المعتدل"، وحيث انتشرت دعوات في الاعلام والسياسة الغربية تدفع الى تقليد "الاسلام التركي" في جميع أنحاء العالم العربي.
انخرطت قطر في ذلك الصراع اعلاميًا وماديًا وتسليحًا لدعم الإخوان، وانتشت تركيا بهذه الموجة، واندفع داود اوغلو في خطابه خلال مؤتمر الإخوان المسلمين العالمي الى التبشير بأن تركيا " ولأول مرة منذ مئة عام، سوف تعيد أراضيها التي سلخت منها بعد انهيار الامبرطورية العثمانية، وأنها ستربط الأراضي من ليبيا الى جورجيا، ومن اليمن الى تركيا، بدون حرب!!".
في المقابل، دعمت ايران تلك الموجة في مرحلتها الاولى وذلك من خلال اعتبارها ما يحصل في العالم العربي "صحوة اسلامية"، ومن خلال دعم الثورة البحرينية لإكمال الطوق على حلفاء السعودية في المنطقة. فقط، عندما امتد حلم الإخوان الى سوريا لإسقاط النظام السوري الحليف، استشعرت ايران خطورة المرحلة، وقررت مساندة الجيش السوري في حربه ضد المجموعات التي تقاتل في الداخل، فكان دخول حزب الله الى سوريا رسميًا عام 2012.
في المرحلة الثانية، استجمعت السعودية وحلفاءها القوى وتمّ استيعاب الضربة الاولى؛ وما أن فشل مشروع إسقاط النظام السوري عسكريًا، وعادت القصير وقلعة الحصن في حمص الى حضن الدولة السورية، حتى بدأت ثورة مضادة في كل من تونس ومصر، دعمتها السعودية والدول الخليجيةـ أدت الى انهيار الحكم الاخواني في كل من تونس ومصر، وأدّت الى فشل استراتيجية "حكم اخواني تركي على كامل مساحة الأرض العربية" نهائيًا، واستلم السعوديون دفة القتال في سوريا، وأقصى الأميركيون جماعات الاخوان لصالح جماعات بندر بن سلطان.
وبالرغم من كل التطورات وبالرغم من تقاطع المصالح القطرية السعودية في دعم مشروع إسقاط النظام السوري، استمر كل من قطر والسعودية في تأمين الدعم الاعلامي والمادي والتسليحي في رعاية المجموعات المسلحة في كل من سوريا وليبيا والعراق وغيرها، لدرجة أن تلك المجموعات تقاتلت فيما بينها في كثير من الأحيان مشكّلة إحراجًا لخطط الولايات المتحدة الأميركية.
والآن، بعدما انتقل الصراع القطري السعودي بالوكالة في الميادين العربية المشتعلة، ما هي مآلات انتقال الصراع الى العلن في الخليج نفسه؟
منطقيًا، إن انتقال الصراع الى الخليج واستشعار قطر الخطر الكبير على أمنها ووجودها، سيدفعها الى تغيير تعاملها مع الأزمات، وقد يدفع المجموعات الموالية لقطر وتركيا الى مقاتلة المجموعات الموالية للسعودية كما كان عليه الحال في سوريا قبل الهدنة حين اشتعلت إدلب بقتال "الأخوة الأعداء".
أما في ليبيا، فإن الصراع الخليجي المستعر، سوف يدفع كل من السعودية والإمارات - كما في مصر وتونس سابقًا- الى التحالف مع من تبقى من نظام القذافي ومجموعاته، لمقاتلة وإخراج المجموعات الموالية لقطر وتركيا، وهو بالضبط الهدف من الافراج عن سيف الاسلام القذافي، وإقامة إفطار لشخصيات من النظام السابق، وهو ما تريده مصر التي تتهم مجموعات اخوانية تدعمها قطر بشنّ حملات ارهابية في الداخل المصري انطلاقًا من الأراضي الليبية.
إذًا، قد يكون من نتائج الصراع القطري السعودي في الخليج نفسه، أي انتقال الصراع الى ساحته الأساسية، انشغال المجموعات المسلحة في قتال بعضها البعض بدل مقاتلة الدولة السورية التي ستوظف طاقاتها لمقاتلة داعش ومنع المخطط الأميركي بالتقسيم، كما سيؤدي الى انخراط المجموعات القطرية بالمصالحات مع الدولة السورية، وسيعني دعمًا قطريًا للحشد الشعبي في العراق انطلاقًا من عرفان الجميل لايران، وقد يعني أيضًا السير في حل سياسي في ليبيا يعيد نظام القذافي مجمّلاً الى الحكم في ليبيا والانتهاء من تقسيم ليبيا والتفرغ لمقاتلة داعش فيها. ويبقى الأكيد، أن الخليج بعد هذه الأزمة لن يعود الى ما كان عليه قبلها، حتى ولو لم يحصل أي تطور ميداني وهو مستبعد.