أنتج المناصرون لحزب التيار الوطني الحر في اليومين الماضيين خمسة إعلانات قصيرة تسوّق لقانون الانتخابات الجديد بوصفه إنجازاً رئاسياً عونياً – باسيلياً. في أوساط المحازبين، هناك تسليم بالإنجاز العونيّ الكبير. لكن الابتهاج العارم بالقانون بوصفه إنجازاً عونياً كبيراً يقف عند هذا الحد
في السابق، كان ثمة أربعة خطابات عونية؛ خطاب خاص بالمحازبين يشجعهم على بذل المزيد، وخطاب خاص بالمؤيدين غير الحزبيين يقنعهم بمواصلة تأييدهم للتيار ويشجعهم على الالتزام الحزبيّ لمساعدة التيار أكثر، وخطاب هادئ ومنطقي مخصص للمستقلين يشرح لهم وجهات نظر التيار ويحاول إقناعهم بها، وخطاب لمقارعة الخصوم يقابل الحجة بالحجة والمثل بالمثل. فجأة تغير الأسلوب: «بيعجبك أو ستين عمرك ما يعجبك».
في ملف قانون الانتخاب الجديد، ثمة مآخذ كثيرة تتعلق بحجم الدوائر وتفاوت المعايير والتمديد السلبيّ الطويل الأمد والشبهات المتعلقة بالبطاقة الممغنطة وغيره الكثير.
لكن لا بدّ من لحظ أمرين جوهريين قبل الحكم على هذا القانون: أولاً، التمعن في القوى المسؤولة عن إقرار القانون، من الرئيس سعد الحريري إلى النائب وليد جنبلاط وغيرهما ممن يمر بهم التوافق الإلزامي المسبق على القانون. ثانياً، الأخذ بالاعتبار أن القوى المناوئة للسلطة فشلت في تكوين أي آلية ضغط جدية تدفع باتجاه إقرار قانون عصري. هكذا يمكن القول إن التزام رئيس الجمهورية بما ورد في خطاب قسمه بإقرار قانون جديد للانتخابات، واعتماد النظام النسبي هو إنجاز. هذا ما كان يتوقع سماعه من العونيين. لكن قول الأمور الحقيقية، بوضوح وصراحة، بات أمراً ممنوعاً كما يبدو أو غير مستحب. فالمطلوب من الرأي العام التصفيق والتصفيق فقط للوزير جبران باسيل حين يقول إن هذا القانون قانونه وهو قانون جيد، من دون أي زيادة أو نقصان.
عملياً، يمكن القول إن أرضية النظام الأكثري جرفت أمس، وباتت هناك أخيراً أرضية جديدة يمكن الانطلاق منها لإقرار قانون أفضل في المستقبل بدل مواصلة الكلام في الهواء. وبعيداً عن الشوائب التقنية وملاحظات المتخصصين، هناك أمل ولو واحد أو عشرة بالمئة باختراق دوائر معاقل المستقبل والاشتراكيين بعدما كان الأمل مقطوعاً بالكامل. وعليه، يمكن القول إن العهد حقق في قانون الانتخاب أمراً جيداً، لا بل أكثر من جيد مقارنة بقانون الستين وكل القوانين السابقة. لكن العقل العوني المدبر انشغل عن هذا الإنجاز الوطنيّ التمثيليّ المهم بنقل مقعد من دائرة إلى أخرى واحتساب عدد المقاعد التي ستنالها هذه الطائفة أو تلك. بدل أن يلتقط الوزير جبران باسيل اللحظة الإقليمية التي تدفع الحريري إلى خلع رداء الستين والقول لكل اللبنانيين إنه عراب إعطاء كل فريق سياسي حجمه في التمثيل، بات همه اجتذاب بعض المتزمتين الذين يرون أن إضافة كرسي إلى تكتل التغيير والإصلاح أهم من إطاحة النائب السابق أسامة سعد الرئيس فؤاد السنيورة، أو إطاحة نجاح واكيم عاطف مجدلاني. وبدل أن يطل الرئيس عون من على شرفة قصر بعبدا ليقول للشعب اللبناني إنه خطا خطوة أولى كبيرة باتجاه تصحيح التمثيل السياسي وكسر أحادية التمثيل المذهبي، ويمكن كل من كانوا يشعرون بالغبن طوال عقود أن يأخذوا نفساً الآن وينظموا صفوفهم لزيادة فعاليتهم؛ بدل هذا كله تتعاقب الجوقة نفسها على تكرار الكلام الممل نفسه.
تواضع باسيل قليلاً وقراءته خطابات الجنرال والمواقف المؤيدة للنسبية التي ابتدأ العونيون بتداولها الآن كان سيقطع الطريق على القوات اللبنانية ممثلة بالنائب جورج عدوان أو أي طرف يريد الفوز بجائزة القانون الكبرى. هو يتقن تدوير الزوايا مع تيار المستقبل، أما مع القوى الأخرى فيبرد رماحه؛ كأن كتلة التنمية والتحرير، لا كتلة المستقبل، هي التي تضم 17 نائباً مسيحياً.
ما يرد في التسجيلات العونية المتداولة بكثافة هذه الأيام صحيح؛ هناك طرفان نافذان مقتنعان بالنسبية: حزب الله مع لبنان دائرة واحدة، والرئيس ميشال عون مع الدوائر المتوسطة. لكن المشكلة أن هناك من راح يقفز بين القوانين طوال ستة أشهر ويريد من الرأي العام الاقتناع اليوم بأنه كان يريد من البداية إيصال جميع الأفرقاء إلى هذا الحل وقد تحقق مسعاه. أما غير المقتنعين بالنظرية الأخيرة، فـ«ستين عمرهم ما يقتنعوا»، علماً بأن جزءاً كبيراً من الرأي العام اقتنع وتضامن مع التيار في مواجهة قانون غازي كنعان عام 2005، وقدّر للعماد عون تنازله عن الرئاسة في الدوحة عام 2008 مقابل إقرار قانون انتخابي جديد يُحسن التمثيل مقارنة بالقوانين السابقة. أما اليوم، فتختلط الأمور بشكل كامل، بعدما انتُزِعت أبوّة النسبية من العهد، وبعدما ضاع في نظر الرأي العام إصرار عون على حُسن التمثيل للجميع. وما أضاعه ليس سوى تصعيد جبران باسيل.