كلّ المطلوب هذه الأيام هو كرسيّ على يمين الوزير جبران باسيل أو يساره أو حتى خلفه. يكفي ربما أن يكون الكرسيّ حول الطاولة التي يجلس عليها معاليه، فيلحظ بطرف عينه تكبّد سعادته مشقة الوصول إليه، فيأخذه بحلمه
ها هم جميعاً هنا يجلسون جنباً إلى جنب: عبد الباسط عباس الذي كان منفذ عام عكار في الحزب القومي أيام مجزرة حلبا يجلس قرب الشيخ علاء عبد الواحد شقيق الشيخ أحمد عبد الواحد. أمين فرع حزب البعث في عكار عبد الحميد صقر يجلس إلى طاولة منسّق حزب القوات نبيل سركيس الذي ناوله الملح أكثر من مرة لأن مملحته لا تُملّح. منسّق عام تيار المستقبل خالد طه والنائب السابق وجيه البعريني كالسمن فوق العسل.
كان النواب السابقون والنواب الحاليون سيبدأون تبادل القبل لولا إسرافهم أولاً في تناول البصل. يرسل رؤساء الطوائف المسيحية في عكار ممثلين عنهم إلى إفطار التيار الوطني الحر السنوي في عكار، فيما يحضر رؤساء الطوائف الإسلامية بأنفسهم. يجلس مفتي عكار الشيخ زيد زكريا جنباً إلى جنب مع رئيس دائرة الأوقاف الاسلامية الشيخ مالك جديدة. عيش مشترك وجلاب وشوربة وسمك ومناسف... وجبران باسيل. يبتسم باسيل لعشرات رجال الدين من الطائفة السنية؛ يبتسم للمخاتير؛ يبتسم لرؤساء المجالس البلدية ويبتسم للشباب الذين لا يكادون ينتهون من التقاط صورة معه حتى يوصونه بحماية ترشيح شخصيات محددة في التيار. يقول مرافقو الوزير إن غبطته في عكار تكون دائماً أكبر ممّا هي عليه في مناطق أخرى. لديه هنا قصص مشوّقة يحملها للرئيس ميشال عون.
الحشد الكبير يكاد يقنعه بأن إطلاق التيار السنّي الثاني أسهل من الإقلاع في التيار الشيعي الثالث. سيخبر الرئيس دون شك عن النائب هادي حبيش الذي خلع بدلة الدبكة على عجل عام 2005 وصعد إلى الرابية مرتدياً ربطة عنق برتقالية علّ العماد عون يتبنّى ترشيحه، إلا أن الحريري عاد وتبنّى ترشيحه فارتدى الفولار الأزرق وما عاد يخلعه. النائب الحريريّ لم يكن مدعوّاً إلى الإفطار العونيّ الذي كان الوزير طارق الخطيب ضيفه الرئيسي قبل أن يقرر باسيل الحضور، فما كان من أحد مستشاري الخطيب إلا أن أعلم منسّق التيار في عكار طوني عاصي أن معاليه يحبّذ دعوة حبيش، رغم نفي الخطيب لاحقاً معرفته بحبيش أو تحبيذه أي شيء من هذا القبيل. ولمّا بادر عاصي إلى إرسال دعوة إلى حبيش، عاد التيار واستنفر لاسترجاع الدعوة قبل وصولها، فما كان من مستشار الخطيب سوى تدبّر دعوة عامة وإرسالها للنائب على هاتفه، فاتصل مكتب الأخير بالرقم المذكور لتأكيد الحضور، وفي الوقت المحدد حضر حبيش مغتبطاً جداً. ورغم وجود الوزير يعقوب الصراف بينه وبين باسيل، فإنه حاول مراراً وتكراراً فتح حديث مع وزير الخارجية. وهكذا كان يمكن معاليه رؤية القاعة ممتلئة بجمهور جديد وبفعاليات تجاوزت حساسياتها بعضها تجاه بعض، وبكثيرين ينادونه بـ عمي.
حضور قوى وفعاليات 8 آذار كان كبيراً وواضحاً في تبوّئهم الصفوف الأمامية في الاحتفال العونيّ؛ فإلى جانب البعريني كان هناك ممثل للرئيس نجيب ميقاتي، وسجيع عطية ممثلاً نائب رئيس الحكومة السابق عصام فارس، والنواب السابقون طلال المرعبي وجمال إسماعيل ومصطفى علي حسين ومحمد يحيى، إضافة إلى منفذ عام عكار الحالي في الحزب القومي ساسين يوسف، فيما غاب بشكل كامل حزبا المردة والكتائب، علماً بأن مصادر التيار الوطني الحر في عكار تتحدث عن تقديرها التفاهم مع تيار المستقبل على المستوى الوطني، لكنها ترى أن مصلحتها الانتخابية في عكار تقتضي تشكيلهم لائحة غير لائحة المستقبل. وكان واضحاً في الإفطار أن العلاقة الحديثة بين مسؤولي الوطني الحر والمستقبل باردة جداً، فيما الصداقة أكثر من وطيدة مع النواب السابقين.
على صعيد الكلمات، خصّص الصراف كلمته للإشادة بمواقف باسيل وأدائه. باسيل قال في كلمته إن التيار ضحّى بنواب في كسروان والمتن وجبيل ليربح نواباً في عكار. أكد أن المعركة المقبلة هي محاربة الفساد، وتمنى أن يضع رئيس الحكومة سعد الحريري يده معهم في هذه المهمة الصعبة. وأشار باسيل إلى أن «المجتمع المدني معه حق في كثير من الأمور». أما مفتي عكار فسبق باسيل في المطالبة بتشكيل هيئة الطيران المدني لتشغيل مطار القليعات وإنشاء مستشفى عسكري في عكار أيضاً.
في النتيجة، كان الحشد العونيّ في مناسبة الإفطار ضعف الحشد المعتاد في مناسبات أخرى، وكان واضحاً أن علاقة التيار جيدة مع معظم الأفرقاء، وهو ما يريحه انتخابياً في هذه الدائرة الصعبة. أما صعود باسيل المفاجئ الذي تقرر قبل 24 ساعة فقط من موعد الإفطار، فيؤكد التفاته إلى هذه الدائرة التي كانت تعتبر معقلاً للعونيين قبل أن تحرمهم قوانين الانتخاب من «تقريش» تمثيلهم الكبير للناخبين فيها. «النسبية» تمنحهم فرصة الفوز، بمقعد واحد على الأقل، حيث لم يحلموا به سابقاً.