لم تعُد عقول ما تبقى من الأنظمة العربية الرسمية التابعة للغرب تستطيع النظر إلى القضية الفلسطينية باعتبارها قضية أمّة، ومصير شعب مظلوم، ومستقبل منطقة. وإذا سألتَ ملوك العرب، وأمراءهم عن حق ضائع، وأرض محتلة، ومقدسات منتهكة، وأناس يعانون الجوع والألم والمرض والحرمان والحصار، لمطوّا شفاههم، أو لاعتبروا ما يحصل أمراً تعوّدوا على مشاهدته وألفوا السماع عنه لا أكثر.
لم تكن الشعوب العربية ترضى أن يُتهم ملك أو أمير أو رئيس دولة بالخيانة للقضية الفلسطينية ولا بالتقصير. العصبية كانت تختلط بكثير من التدجيل والشعوذة الصادرين عن مراكز الدعاية في هذه الدول فتظن أنّ الملوك والأمراء والرؤساء لا يتخلّفون ليلة عن المرابطة على الثغور لمواجهة الأعداء والدفاع عن حياض فلسطين.
الآن انكشفت القصة والخوارق لم تكن إلا أكاذيب، والخرافات حول استعدادهم لتحرير فلسطين واستعادة الحقوق لم تكن إلا أوهاماً وذرائع لخيانتهم.
وحين بدأت الثورة الإسلامية في إيران وأطلق الإمام الخميني شعاره الشهير: «اليوم إيران وغداً فلسطين»، وبدأ العمل الجاد لاستنهاض الهمم والقوى والإمكانات لصدّ المشروع الصهيوني.
وإنكار هذه الظاهرة العنصرية البغيضة بل استئصالها من الوجود، احتشد الطغاة شرقاً وغرباً. وما كاد الإمام الخميني رض يطلق هذه التوجّهات حتى اجتمع العرب على مقاتلته ثماني سنوات متواصلة بذريعة المد الفارسي تارة، والمد الثوري الذي يستهدف وحدة العرب وأمنهم القومي تارة أخرى، حتى وصلنا إلى هذه الأوقات التي استخدمت فيها الأنظمة العربية العميلة ذريعة المذهبية لشقّ صفوف المسلمين ولمنع أي جهد لتحرير فلسطين. بل وقفت هذه الأنظمة سداً لئلا يصل أي دعم للفلسطينيين من إيران، ووُضعت حركات المقاومة اللبنانية والفلسطينية على لائحة الإرهاب، ثم أقامت بعد ذلك حلفاً لمواجهة إيران وهي تتطلّع لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني والعمل سوية في مشروعات عسكرية واقتصادية.
ما يؤسف له أنّ بعض القوى الفلسطينية انجرّت وراء هذه الأنظمة وباتت تقبل بأنصاف الحلول، بل أكثر من ذلك رفعت معاداة الثورة الإسلامية الإيرانية في الوقت الذي يُعلن قياديو الثورة أن لا شيء يمنعهم على الإطلاق عن دعم الشعب الفلسطيني لاسترداد حقوقه كاملة.
إلى أين وصلنا أيها العرب وأيها المسلمون وأيها الفلسطينيون في هذه العصبية البغضية؟
لقد انجرف الجميع إلى الحقد المذهبي والقومي، لئلا يكون لشعار الإمام الخميني يجب أن تزول إسرائيل من الوجود أي أثر، ولئلا يكون ليوم القدس العالمي الذي أطلقه الإمام في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان أي مقبولية جماهيرية.
في الواقع، إنّ مَنْ يريد أن يفهم طبيعة نكران الجميل قد يرتطم بصعوبات فكرية ودينية قاسية ولعله ينتهي إلى اليأس من أنظمة وقوى تبيع الجماهير كلاماً معسولاً وتغذّيهم بالحقد الطائفي والمخاوف المذهبية، فيما معاناة الشعب الفلسطيني على حالها والاحتلال الصهيوني أكثر انتشاراً وتغوّلاً. هل تصح في العرب والمسلمين هذه المقولة: «الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران في جسده كي ينير الطريق لشخص ضرير؟».
أجزم أنّ ذلك لا ينطبق على إيران ولا على الشعوب العربية والإسلامية كلّها. بل أزعم أن هذه المكائد والدسائس والضغائن كلها ضد إيران الإسلامية ستتهاوى. وسيكتشف العالم العربي أن الإمام الخميني عندما أطلق شعاره بإزالة إسرائيل لم يكن يخدع أحداً، وعندما أطلق يوم القدس العالمي لم يكن في ذهنه إلا أن الشرفاء والمقاومين سيعيدون فلسطين حرة من النهر إلى البحر، ومَن ينظر حالياً إلى ما يحصل على الحدود السورية العراقية من ربط للجغرافيا، ومَن يسمع صوت الصواريخ الباليستية الإيرانية التي سقطت على مواقع الإرهابيين في دير الزور، يعلم أن تحرير فلسطين آتٍ آتٍ لا محالة.