نجح الأمير السعودي محمد بن سلمان في حسم الصراع داخل العائلة السعودية الحاكمة، بعد أشهر طويلة من الصراع بين مركزي ولي العهد وولي ولي العهد، من خلال سلسلة من الأوامر الملكية التي قادت إلى إعفاء ولي العهد السابق محمد بن نايف من مهامه، في مشهد يعيد إلى الأذهان ما حصل، في شهر نيسان من العام 2015، عندما تم عزل الأمير مقرن بن عبد العزيز من منصب ولي العهد لتعبيد الطريق أمام محمد بن سلمان، حيث أصبح على أثر ذلك ولياً لولي العهد.
منذ ذلك الوقت، بدأ الحديث في مختلف الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية عن أن محمد بن سلمان سيكون الملك السعودي المقبل، بعد والده سلمان بن عبد العزيز، بالرغم من أن العقبة التي كانت تقف في طريقه (أي محمد بن نايف)، كان يعتبر رجل الولايات المتحدة الأول في البلاد، وكانت السيناريوهات ترسم حول الطريقة التي سيتخلص بها منه، بسبب خوفه من أن ينقلب عليه في حال وصوله إلى عرش المملكة.
كان محمد بن سلمان يخشى، في حال وصول محمد بن نايف إلى العرش، من تكرار ما حصل مع مقرن بن عبد العزيز معه، حيث يستطيع الملك بما يمتكله من سلطة ونفوذ أن يعزل ولي العهد، لا سيما أن الإنقلاب الذي شارك فيه مع محمد بن نايف كان قد قاد إلى التخلص من نجل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز متعب بن عبدالله، لذلك كان يخطط لأن يسبقه بخطوة من خلال عزله ليكون رسمياً ولي العهد، مع العالم أنه هو الحاكم الفعلي في البلاد منذ تسلم والده مقاليد السلطة، وهو يسيطر على أبرز معاقل النفوذ المالية والعسكرية في المملكة.
إنطلاقاً من ذلك، تطرح العديد من الأسئلة حول العوامل المساعدة التي قادت محمد بن سلمان إلى أن يقوم بهذه الخطوة اليوم، التي أقل ما يقال عنها أنها "إنقلاب" بالرغم من مشهد المبايعة التي حصلت من جانب محمد بن نايف لولي العهد الجديد، لكن أبرزها يتعلق بالموقف الأميركي مما حصل، نظراً إلى أن نجل الملك السعودي الحالي لم يكن يمتلك أي علاقة مع واشنطن لدى دخوله إلى معقل السلطة الحاكمة في بلاده، في حين أن ولي العهد السابق كان يعتبر رجل الولايات المتحدة الأول.
على هذا الصعيد، يمكن التأكيد بأن محمد بن سلمان إستفاد من العلاقة التي يملكها ولي العهد في دولة الإمارات العربية محمد بن زايد مع الجانب الأميركي، خصوصاً أن لدى الأخير مصلحة مشتركة معه في التخلص من محمد بن نايف، بسبب العلاقة المتوترة التي تجمعهما بعد أن كشفت وثائق ويكيليكس أنه كان قد وصف الأمير نايف بن عبد العزيز، أي والد محمد بن نايف، بـ"القرد"، وهو كان يخشى أيضاً وصوله إلى العرش السعودي بعد أن أصبح ولياً للعهد، في حين أن الملك الحالي كبير في السن ويعاني من المرض.
إلى جانب الإستفادة من العلاقة التي يملكها محمد بن زايد مع واشنطن، سعى محمد بن سلمان في الفترة السابقة إلى تقديم أوراق إعتماده بوصفه الرجل القوي القادر على تحقيق مصالح الولايات المتحدة في المنطقة عبر جملة من الخطوات التي قام بها على الصعيدين العسكري والإقتصادي، لكن من الضروري الإنتباه إلى أن ما حصل فجر اليوم جاء بعد القمة العربية الأميركية الإسلامية في الرياض، التي وقعت خلالها جملة واسعة من الصفقات المالية بين السعودية والرئيس الأميركي دونالد ترامب، وبعد الذهاب إلى إعلان مجموعة من الدول، أبرزها السعودية والإمارات، قطع علاقاتها مع قطر.
في المحصلة، نجح محمد بن سلمان في حسم الصراع داخل الأسرة الحاكمة في السعودية على العرش، وهو فتح الباب واسعاً لتسلم مقاليد الحكم بعد والده الملك سلمان بن عبد العزيز، لكن ما حصل لا يمكن القول أنه أمر طبيعي لا سيما أنه جاء بعد تعديل الفقرة (ب) من المادة الخامسة من النظام الأساسي في الحكم، فهل أنتهى فعلاً هذا الصراع أم من الممكن أن يكون له أشكال جديدة في المرحلة المقبلة؟.