يختلط المشهد الانتخابي أكثر من اختلاط المشهد السياسي. في السياسة ثمّة هيكل متداعٍ اسمه الانقسام بين فريقَي 8 و14 آذار. هيكل يكاد بناؤه يسوّى بالتراب. رغم ذلك لا تزال القسمة السياسية قائمة في القضايا الاستراتيجية المتصلة بسلاح المقاومة ومشاركة حزب الله في الحرب ضدّ الإرهاب في سورية. وربما لن تزول هذه القسمة لغاية في نفس الارتباطات الإقليمية للفرقاء المعنيّين.
في الملفات الداخلية فوضى التحالفات وتقاطعات المصالح عارمة. يكفي أن نشهد تحت قبة البرلمان ذلك التوتر وانعدام الثقة والاحتقان بين رئيس حزب الكتائب سامي الجميّل ورئيس الحكومة سعد الحريري، وأن نشهد أيضاً نواب اللقاء الديمقراطي لا حول لهم لا قوة. فأصحاب السعادة التقدميون بدوا كيتامى يصرخون من دون أن يكون هناك مكترثٌ. أما مشهد الانسجام الفاضح بين رئيس الحكومة ورئيس التيار الوطني الحر وزير الخارجية جبران باسيل فهو لا يخفى على أحد من المكونات السياسية. لا صوت يعلو فوق صوت باسيل في بيت الوسط. لا يعير الحريري أهمية لخسارته نحو 12 نائباً في انتخابات أيار 2018. فهو تلقّى وعداً بتكليفه تشكيل حكومة ما بعد الانتخابات النيابية المرتقبة. يعي الشيخ سعد جيداً أنّ القرار السياسي وحدَه بغطاء شيعي سيجدّد له في الرئاسة الثانية، الدليل أنّ كتلته النيابية المؤلفة من نحو 35 نائباً لم تقف عائقاً في عام 2011 أمام قرار اقتلاعه من كرسي السراي.
ثمّة همس فيه الكثير من المصداقية يؤشر إلى تطور جدي وإيجابي في علاقة حزب الله - تيار المستقبل. أما حركة أمل فعلاقتها الوثيقة الراسخة هي مع حزب الله أولاً ومع الحزب التقدمي الاشتراكي ثانياً. أما علاقتها مع التيار الأزرق فتبدو باهتة جداً. علاقة تنطوي ضمنياً على الكثير من الإحساس بالخيبة لدى رئيس المجلس النيابي نبيه بري من رئيس الحكومة. فالأخير انقلب على الأستاذ مراراً أثناء نقاش القانون الانتخابي، وأحياناً حشره في زاوية سياسية حرجة عندما تراجع عن حضور جلسة التمديد التي كانت مقرّرة في 13 نيسان الماضي، بعدما كان أول من صفّق في الكواليس لاقتراح النائب نقولا فتوش وكان يدفع نحو التمديد لترتيب بيته الأزرق المتضعضع.
ليس بعيداً عن هذه البانوراما، فإنّ المتذمّرين المعترضين القلقين على رأسهم تيار المردة وحزب البعث (يسعى ممثله في المجلس النيابي عاصم قانصوه لحصد تواقيع عشرة نواب للطعن بقانون الانتخاب)، يشعرون أحياناً أن اللعبة السياسية تتجاوزهم، وأنّ حلفاءهم أمام التوازنات الكبرى يفرطون بمصالح هؤلاء المتذمّرين.
أمام ذلك، يُطرح سؤال أساسي كيف ينعكس ذلك على التحالفات الانتخابية؟
ستجد القوى السياسية نفسها في ضوء القانون الانتخابي الجديد القائم على النسبية مع 15 دائرة أمام قواعد جديدة. حيث تبدو اللعبة أقلّ إمساكاً والتحالفات لزجة، دبغة، ومتموّجة. فعلى سبيل المثال كيف سيوفق تيار المستقبل في تحالفه الانتخابي مع التيار الوطني الحر من جهة، ومع حزب القوات اللبنانية من جهة أخرى؟ وما هو مصير تحالفه مع الحزب الاشتراكي في دائرة الشوف - عاليه؟ هل سيطيح "المستقبل" حليف 2005 لصالح حليف التسوية الرئاسية – الحكومية المستجدّ؟
أما على مقلب حارة حريك، فكيف ستوفق قيادة حزب الله بين تحالفها مع حركة أمل وتمسكها بحلفائها مثل تيار النائب سليمان فرنجية والحزب السوري القومي الاجتماعي، إذا لم يتحالف هؤلاء الحلفاء مع التيار الوطني الحر؟ كيف سترعى ترشيحات حلفائها في المعارضة السنية في صيدا، الشوف، بيروت، البقاع الغربي، بعلبك – الهرمل، عكار، طرابلس والمنية الضنية؛ ترشيحات قد تشكل لها رهاناً جوهرياً في مواجهة لوائح "كتلة لبنان أولاً" التي قد تكون مدعومة أو متداخلة مع مرشحي التيار البرتقالي؟
كلّ ذلك من دون الغوص في انتخابات قضاء زحلة الموزاييك الانتخابي الأكثر تعقيداً (الكتلة الشعبية - حزب الكتائب – القوات - الوطني الحر – المستقبل - حزب الله - فتوش)، حيث من الممكن أن تنشب حرب الكلّ ضدّ الكلّ أو تفاهم الكلّ مع الكلّ.
نحن أمام مشهد انتخابي سوريالي. مشهد لا يخلو من مفاجآت وإرباكات، حيث إنّ السوق الانتخابية ستفرض منطقها على القوى واللوائح.
إنّ المعيار الذي سيعلو على المعايير كلها هو النجاح والوصول الى الندوة البرلمانية وتأمين المقعد الانتخابي، بينما ستتضاءل إلى درجة التلاشي والضمور المعايير السياسية العقلانية ذات المعنى.